بنات
المملكة
خالد
بن إبراهيم الصقعبي
المشرف
العام على موقع الريحانة
المقدمة
إن الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله .
{يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ
إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } آل عمران102
{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء
وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ
عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1
{ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71) } (الأحزاب : من الآية 70-71)
أما بعد :
(شنشنة
نعرفها من أخزم ) فهي ليست بطريقة جديدة ، تلكم هي شنشنة قذف المحصنات الغافلات من خلال
روايات هابطة يراد من خلالها تثبيط دعاة الحق وخلخلة فضائل المجتمع، لا جديد!
فلقد اتهم الأفاكون زوراً وبهتاناً رمز الطهر والعفاف أم المؤمنين عائشة - رضي الله
عنها - بعرضها، من أجل إعاقة مسيرة الدعوة، وهاهي الصورة تتكرر ! لقد حمي الإسلام
الأعراض وجعل حفظها من أن تدنس بمواقعة أو قذف من الضروريات الخمس في الشريعة المباركة ،
ومن هنا جاء باب حد الزنا وباب حد القذف ، وكم أحكم الفقهاء وعلماء الشريعة إغلاق باب
النيل من الأعراض، ومن جميل
ما قالوا : ( ومن قذف أهل بلدة أو جماعة عزر ولا حد ). ولم يختلف
الفقهاء في إيقاع حد التعزيز وإنما وقع الخلاف هل يعزر من قذف أهل بلد بعدد من
قذفهم أم يكون الحد واحداً ؟
لذا فمن فعل ذلك لزم إقامة حد التعزيز عليه في كل حال، وهذا الكلام ليس من بنيات الأفكار بل هو قول جهابذة أهل العلم والذين يرد إليهم القول حال الخلاف .
لذا فمن فعل ذلك لزم إقامة حد التعزيز عليه في كل حال، وهذا الكلام ليس من بنيات الأفكار بل هو قول جهابذة أهل العلم والذين يرد إليهم القول حال الخلاف .
ومن غريب ما يتشدق به هؤلاء أن هذه الروايات تحكي واقعاً صحيحاً
فيقال نص الفقهاء رحمهم الله على إقامة حد التعزيز على من قذف أهل بلدة ولو كان
يُتصور منهم الزنا، فكيف إذا كان هذا المجتمع يغلب على نسائه أنهن صائمات قائمات حافظات
للغيب بما حفظ الله، والواقع يشهد بذلك بحمد الله ولا نقول لهؤلاء إلا كما قال الله تعالى: ((
قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ)) (آل عمران:119).
من هنا ومن
هذا المنطلق جاءت هذه الرسالة والتي هي بعنوان " بنات المملكة " قطعاً للطريق على من
يحاول إعادة
الكرة مرة ثانية للمز نساء منطقة أخرى، من باب " أتواصوا به "، وهذه
الرسالة تحوي قصصاً
وضاءة لما عليه غالب نسائنا بحمد الله، وهي قصص واقعية وليست برجم
الغيب كما يفعل أولئك ولا عجب، فالحق واضح أبلج، والباطل خرص وظنون، بل هو كذب وافتراء،
وتلك بضاعتهم مزجاة وبضاعتنا رائجة بحمد الله، ((بَلْ
نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ
زَاهِقٌ )) (الأنبياء:18 ) .
ونحن
لا ندعي
أن مجتمعنا مجتمع ملائكي، بل نقول إنه إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل
الخبث!
نسأل الله
تعالى أن ينفع بهذه الرسالة من قرأها، وأن يجزي من ساهم في إخراجها وطباعتها وتوزيعها خير الجزاء والله أعلم.
كتبه
خالد
بن إبراهيم الصقعبي
المشرف
العام على موقع الريحانة
تمهيد
إن المرأة المعاصرة والتي سنتحدث
عن بعض الصور الناصعة من حياتها.. هي التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام:
(( الدنيا متاع وخير متعاها المرأة الصالحة ))
رواه الإمام مسلم..
هذه المرأة
الصالحة التي يقرّر الشرع أنها من خير متاع الدنيا ما زالت بحمد لله تعالى على مر العصور حاضرة وظاهرة.. فالشارع
لم يقصرها على وقت دون
آخر ..
إن مما
دعاني للحديث حول هذا الموضوع أمور منها:
1- إنصاف المرأة في حديثنا عنها،
وهذا
من العدل الذي أمر الله تعالى به في قوله تعالى: (( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ
))
(الأنعام:152).
2- أننا جميعاً
لا نرتضي تعميم حكم الانحراف على جميع النساء وفيهن من لها القدح المعلّى في السبق إلى الخيرات والدعوة
إليها..
3- تثبيت الصالحات وخاصة ممن يعشن في بيوت لا تمت للالتزام بصلة بل قد
تكون في هذا البيت
مثار للسخرية والاستهزاء.. نذكر ذلك لنقول لهذه ولغيرها معكِ في الطريق كثر
بحمد الله تعالى فإن المسافر يأنس في السفر
بصاحبه .
4- نداء للفتاة
التي لن تستقيم على شرع الله
تعالى لنقول لها من خلال ذلك " دونكِ هذه النماذج من الخيرات يعشن معنا وبيننا
حتى لا تقولي للداعية إذا ضربت لكِ شيئاً من
سير الصحابيات والتابعيات: أولئك يعشن في غير الزمن الذي نعيش فيه ..
5- إغاظة للشائنين والمناوئين للمرأة لنقول لهم : مهما بذلتم
جهدكم لجعل المرأة ألعوبة في أيديكم، فإن في نساءنا خير كثير بحمد الله تعالى لن
تؤثر فيها سهامكم الواهية .. ولا شك أن إغاظة هؤلاء قربة يتقرب بها العبد إلى ربه
والله تعالى يقول: (( وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً
يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ
مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ )) (التوبة: 12).
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ
عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ }يوسف111
لقد جاء نسق هذه الرسالة من
خلال قصص وقفت عليها جميعاً حتى تأكدت من صحة
حدوثها ووقوعها.. بل لعل مما يُبشّر به أنه ورد إلي عدد ليس بالقليل من القصص مما
يدل على وجود الخير الكثير بحمد الله تعالى في نسائنا..
وإنما عمدت إلى
أسلوب القصة لأن التربية في القصة منهج ربّاني، كما قال الله تعالى (( وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ
مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)) (هود:120).
ولأن إيراد القصة
أسلوب ومنهج نبوي كريم ، كما ورد في
حديث أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )) متفق عليه.
وما زال سلف الأمة يأنسون
بذكر القصص ويتناقلونها فيما بينهم حتى قال أبو حنيفة رحمه الله "
الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من
الفقه لأنها آداب القوم وأخلاقهم ".
وقال آخر: ( استكثروا
من الحكايات فإنها درر وربما كانت فيها
الدرة اليتيمة ).
أختي الكريمة: هي
صور حية وقعت على أرض الواقع
ليست بكلام إنشائي جميل من منظومة يجب أن نفعل كذا ولا يجب أن تفعل كذا،
وصدق من قال: فعل رجل في ألف رجل أبلغ من قول
ألف رجل لرجل !
هي قصص حرصت
أن تكون من القصص التربوية الإيمانية الهادفة ، تحمل الفكرة السامية ، والهدف النبيل
، والمبدأ الفاضل ، ولقد عمدت كما يظهر للقارئة إلى أن تكون هذه القصص من خلال
ظروف متعددة، فهذه في الجهاد، وأخرى في الصبر، وأخرى في قيام الليل، وهكذا دواليك..
على
أنني سأذكر تحت كل عنوان قصة، وربما عمدت إلى
ذكر قصتين ولا أزيد على ذلك.. ومما يجدر
التنبيه عليه أن هذه القصص إنما حصلت لنساء في هذا الوقت.. بل حرصت على أن يكن
من الشابات حتى تتحقق القدوة والله المستعان ..
1
عاشقة الجهاد
تقول في
رسالتها التي سطرتها بيدها، وقد قمت باختصارها لطولها مع المحافظة على بنية القصة الأساسية..
لقد كنت
أسمع بها وأراها رمزاً رائعاً بل إنني وضعتها لهدفاً أتمنى أن أصل إليه.. أتدرون ما هي.. إنها "
الشهـادة " .. ؟! القتل في ساحة المعركة .. عندما كنت أرى صور القتلى الذين نحسبهم بإذن الله شهداء ..
كان داخلي يضج بالأفكار والخيالات والدعوات والابتهالات .. أتذكر ذات مرة
عندما كنت في المرحلة الثانوية كنت مع إحدى الزميلات نتحدث ولعلك تعرفين ما يؤرق
بنات هذه المرحلة، فكنا نتحدث عن فتى الأحلام .. فلما جاء دوري قلت لزميلتي: سأتكلم
بشرط ألا تخبري أحداً بذلك.. وألا تضحكي عليَّ ساخرة .. قالت أحاول .. قلت أتمنى
أن أتزوج شهيداً..
صرخت ضاحكة
ثم قالت: أتريدين الخلاص منه قبل مجيئه ؟!
كانت نفسي
والله الذي لا إله إلا هو تتوّق دائماً إلى الجهاد والمعارك والشهادة على الرغم من
كوني من أسرة صارمة نوعا ما .. في وسط لا يشجع هذه التوجهات، ولعله يراها من إضاعة
الوقت أو التزمّت إلا أن هاجس هذه الأمور كان يعيش بداخلي..
قلبّت نظري
في كثير من أشرطة الجهاد.. لا أخفيكم سراً أن الأمر جداً شاسع بين الحقيقة والصورة..
في الحقيقة
خوف وظلام.. جوع وعطش.. برد وصقيع.. رصاص وقنابل وألغام.. أسر وتعذيب وتشويه.. هذا طريح وهذا جريح..
أما في
الصورة فالأمر على خلاف ذلك .. مشاهد ومقاطع .. وحصيلة القتلى كذا والجرحى كذا
ثم ينتهي كل شيء..
ومع ذلك
كانت النفس وما زالت تتمنى الجهاد.. تحركها القارئ بصوته الرنّان وهو يتلو قول الله تعالى: ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ
بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ
هُمْ يَحْزَنُونَ )) ( آل عمران:170،169) .





والآخر
أتأمل قوله وهو يترنّم :
هذي
بساتين الجنان
تزينت *** للخاطبين فأين من يرتاد
والآخر حين
ينشد أمام صديقه المقتول:
فإن
لم نلتقي في
الأرض يوما *** وفرق بيننا كـأس المنـونِ
فموعدنا
غداً فـي دار خلـدٍ *** بها يحي الحنون مع الحنونِ
هل أحسستم
الآن بمعنى ما أتكلم عنه.. وهل أدركتم نوع الشعور الذي اجتاح نفسي..تعالوا الآن
لأحدثكم عن شيء في نظري، قد يساوي حجم ما ذكرت.. وتعب ما أسلفت.. ومشقة ما وصفت.. ولذة
ما تخيلت.. وعاقبة ما تعلمون وقد علمتم..
إن الحياة
كلها ساحة للجهاد.. إن حياتنا كلها هي ميدان القتال.. أليس كذلك .. أو ليس أعدائنا كثر ؟!
إبليس
والدنيا ونفسي والهوى *** ما حيلتي وكلهم أعدائي
تعالوا معي
لنعيش بروح المجاهد ونفسه، بل لنكن هو بشحمه ولحمه.. مع إطلالة كل فجرٍ نعمل كما يعمل
المجاهد .. نغتسل .. نتحنط .. نخرج ونضع في أذهاننا أننا قد لا نعود..
دعونا ننقل
كل أمور حياتنا إلى ساحات الجهاد حتى مصطلحاتنا وكلماتنا..
أردت أن
أقوم بعمل دعوي قوبلت بالرفض .. هذا جبل اعترض طريقي كيف سأتجاوزه.. أقفز
فوقه باستخدام طائرة أو أحاول صعوده وإن شق.. عدّتي فوق ظهري .. حمل ثقيل .. لكن
سوف أصعد.. نعم بإذن الله سوف أصعد..
أردت أن
أقوم بعمل.. قوبلت بردة فعل معاكسة .. هذه رصاصة موجهة .. كيف أتقيها ؟!
إن كان
بإمكاني لأضرب يدها قبل أن ترميني فعلت.. وإن لم لأخفض رأسي قليلاً.. كيف.. أتجاوز.. أصفح .. أبلعها..
أردنا أن نشن حملة في الطائرات لتوزيع بعض
المعونات الروحية
الضرورية.. قوبلنا بالدبابات المضادة للطائرات.. رُفضت الفكرة .. جلسنا.. لا يأس.. لنحاول أن
نتصدى للقنابل ونتجاوز ذلك.. إن لم نفعل ذلك لنخفف قليلاً من سرعة الطيران حتى نعرف من أين نُقذف.. إن لم يحصل ذلك لنغير
اتجاه الطائرات بدل أن يكون باتجاه العاصمة فليكن إلى أهم المدن أو إحداها.. الغرض
أن تتحقق الطائرات هدفها وتوصل حمولتها إلى من ينتظرها بل وفي أشد التعطش لها..

منذ دخلنا
هذه الجبهة والقذائف تنهال علينا والرصاصات موجهة إلينا.. والذي نفوس الخلائق بيده أن هذا لن
يضعف هممنا بل على العكس من ذلك.. كلما زادت زدنا.. ثم إن مما يدفع هممنا
اليقين بتلك المعاملة التي نحن نطبق بنودها.. معاملة مع رب كريم.. يُدخل في السهم
الواحد الثلاثة إلى الجنة.. إن هذا يدفعنا أن نكون جميعاً جنود جبهة واحدة.. كلنا نهبُّ
يداً واحدة.. ومن يتخلف عنا لن نقول له إلا ما علمنا عليه إلا خيرا ولكننا سنذكره
بأن الله فضل المجاهدين على القاعدين درجة..
لن نغتر
يوماً بكثرة بإذن الله.. حين يُنادى يا خيل الله اركبي .. حي على الجهاد.. هي إلى العمل.. هيا إلى طلب العلم
.. هيا إلى التناصح .. هيا إلى
العمل الدعوي.. سنهب كلنا سنهب حتى لو كانت بيد إحدانا ما تتزود به.. ستأكل ثم تأكل أخرى ثم تنظر إليها وتقول:
إنها لحياة طويلة إن بقيت حتى آكلها.. وترمي بها ثم تمضي ..
أأضل أكتب
أم فهمتم ما أعني.. إنها لذة العيش باحتساب.. لذة الجهاد والمجاهدة.. اللذة التي تقود إلى لذة أروع: (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا )) (العنكبوت:69).
إلى أن
تقول في نهاية قصتها:
ما زال
قلمي يريد التدفق ليتحدث عن الجهاد.. ولكن حان الآن وقت العمل فلعلّي أعود إليكم يا من عشتم معي
حقيقةً.. أعود مرة أخرى قريباً لأنقل لكم بعض ما يجري في الساحات أي في ساحات الوغى..
انتهت قصتها .. وفقها الله
تعالى.
تعليق:
بقي أن تعلمي أختي الكريمة أن هذه
الفتاة ليست بطالبة في كلية شرعية بل هي طالبة في كلية علمية .. بل تعيش مع ذلك في بيت يعج بالملاهي والمنكرات .. ولكن رؤيا
فيها رؤى حسنة فقد رئيت كأنها على فرس وعليها ثياب بيض فعبّرها أحد الذين
يجيدون تعبير الرؤى فقال : هذه يُكتب لها الشهادة بإذن الله وإن لم تطأ رجلها أرض
الجهاد ..
لا أقول ذلك فتنة لصاحبة القصة ..
بل أقول لها الأعمال بالخواتيم .. وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (( من سأل الله
الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه )).
لقد فهمت هذه الفتاة
للجهاد .. في وقت غابت فيه عن كثير من الناس معاني الجهاد وحقيقة الجهاد !!
2
سافرت
إلى مدينة جدة في مهمة رسمية .. وفي الطريق فوجئت بحادث سيارة .. يبدو
أنه وقع لحينه .. كنت أول من وصل إليه .. أوقفت سيارتي
واندفعت مسرعاً إلى السيارة المصطدمة ..
تحسستها
في حذر
.. نظرت إلى داخلها .. حدّقتُ النظر .. خفقات قلبي تنبض بشدة .. ارتعشت يداي .. تسمَّرت
قدماي .. خنقتني العبرة ..
ترقرقت
عيناي بالدموع .. ثم أجهشت بالبكاء ..
منظر
عجيب ..
وصورة تبعث الشجن ..
كان قائد
السيارة ملقىً على مقودها .. جثة هامدة .. وقد شبص
بصره إلى السماء .. رافعاً سبابته .. وقد أفتر ثغره عن ابتسامة جميلة .. ووجهه تحيط به لحية كثيفة .. كأنه الشمس
في ضحاها .. والبدر في سناه ..
العجيب ..
أن طفلته الصغيرة كانت ملقاة على ظهره .. محيطة بيديها على عنقه .. ولقد لفظت
أنفاسها وودعت الحياة ..
لا إله إلا الله ..
لم أر ميتة كمثل هذه
الميتة .. طهر وسكينة ووقار .. صورته وقد أشرقت شمس الاستقامة على محياه .. منظر سبابته
التي ماتت توحّد الله .. جمال ابتسامته التي فارق بها الحياة .. حلّقت بي بعيداً بعيداً ..
تفكرت في
هذه الخاتمة الحسنة .. ازدحمت الأفكار في رأسي .. سؤال يتردد صداه في أعماقي .. يطرق بشدة
.. كيف سيكون رحيلي !! .. على أي حال ستكون خاتمتي ؟!
يطرق بشدة .. يمزّق حجب الغفلة .. تنهمر دموع الخشية .. ويعلو صوت النحيب .. من رآني هناك ضن أني أعرف الرجل .. أو أن لي به قرابة ..
يطرق بشدة .. يمزّق حجب الغفلة .. تنهمر دموع الخشية .. ويعلو صوت النحيب .. من رآني هناك ضن أني أعرف الرجل .. أو أن لي به قرابة ..
كنت أبكي بكاء الثكلى .. لم أكن
أشعر بمن حولي !! ..
ازداد عجبي
.. حين انساب صوتها يحمل برودة اليقين .. لامس سمعي وردَّني إلى شعوري ..
يا أخي لا
تبك عليه إنه رجل صالح .. هيا هيا .. أخرجنا من هناك وجزاك الله خيرا
إلتفتُ
إليها فإذا امرأة تقبع في المقعدة الخلفية من السيارة .. تضم إلى صدرها طفلين صغيرين لم يُمسا
بسوء ، ولم يصابا بأذى ..
كانت شامخة
في حجابها شموخ الجبال .. هادئة في مصابها منذ أن حدث لهم الحدث !!
لا بكاء
ولا صياح و لا عويل .. أخرجناهم جميعاً من السيارة .. من رآني ورآها ضن أني صاحب المصيبة دونها ..
قالت لنا
وهي تتفقد حجابها وتستكمل حشمتها .. في ثباتٍ راضٍ بقضاء الله وقدره
" لو سمحتم أحضروا زوجي وطفلتي إلى أقرب مستشفى .. وسارعوا في إجراءات الغسل والدفن .. واحملوني وطفليَّ إلى منزلنا جزاكم الله خير الجزاء " ..
" لو سمحتم أحضروا زوجي وطفلتي إلى أقرب مستشفى .. وسارعوا في إجراءات الغسل والدفن .. واحملوني وطفليَّ إلى منزلنا جزاكم الله خير الجزاء " ..
بادر بعض
المحسنين إلى حمل الرجل وطفلته إلى أقرب مستشفى .. ومن ثم إلى أقرب مقبرة بعد إخبار ذويهم ..
وأما هي
فلقد عرضنا عليها أن تركب مع أحدنا إلى منزلها .. فردّت في حياء وثبات " لا والله .. لا أركب إلا في سيارة
فيها نساء
" .. ثم انزوت عنا جانباً .. وقد أمسكت بطفليها الصغيرين .. ريثما نجلب
بغيتها .. وتتحقق
أمنيتها ..
استجبنا
لرغبتها .. وأكبرنا موقفها ..
مرَّ الوقت
طويلاً .. ونحن ننتظر على تلك الحال العصيبة .. في تلك الأرض الخلاء .. وهي ثابتة ثبات الجبال .. ساعتان
كاملتان .. حتى مرّت بنا سيارة فيها رجل وأسرته .. أوقفناهم .. أخبرناه خبر هذه
المرأة .. وسألناه أن يحملها إلى منزلها .. فلم يمانع ..
عدت إلى
سيارتي .. وأنا أعجبُ من هذا الثبات العظيم ..
ثبات الرجل
على دينه واستقامته في آخر لحظات الحياة .. وأول طريق الآخرة ..
وثبات المرأة على حجابها وعفافها في أصعب المواقف .. وأحلك الظروف .. ثم صبرها صبر الجبال ..
وثبات المرأة على حجابها وعفافها في أصعب المواقف .. وأحلك الظروف .. ثم صبرها صبر الجبال ..
إنه
الإيمان .. إنه الإيمان ..
{يُثَبِّتُ
اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } إبراهيم27
تعليق :
الله أكبر
.. هل نفروا في هذه المرأة صبرها وثباتها .. أم نفروا فيها حشمتها وعفافها .. والله
لقد جمعت هذه المرأة المجد من أطرافه ..
إنه موقف
يعجز عنه أشداء الرجال .. ولكنه نور الإيمان واليقين ..
أي ثباتٍ
.. وأي صبرٍ .. وأي يقين أعظم من هذا !!!
وإنني
لأرجو أن يتحقق فيها قول الله تعالى : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ
قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }البقرة156
3
دحداحة
هذه الأمة
هي قصة
لامرأة تملك منزلاً فسيحاً .. لكن قلبها قد تعلق بمنازل الآخرة وهذا هو ما
يؤكده موقفها ..
فقد أرّقها ما تعانيه دار
القرآن الكريم في حيّها .. لكون هذه الدار في مدرسة للبنات مما يتعذر معه استعمال كافة مراحل المدرسة .. فما كان منها
إلا وأن تبرعت بمنزلها وقفاً على دار تحفيظ القرآن الكريم .. لقد كان هذا البيت يمثل لها مصدر رزق كانت تقوم بتأجيره
والاستفادة من ثمنه للإنفاق على نفسها وعلى غيرها ..
والذي نفسي
بيده لقد تصورت موقفها .. فتذكرت حينها أبا الدحداح في قصته المشهورة كما في حديث أنس الذي رواه
الإمام أحمد أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لفلان نخلةُ وإني أقيم حائطي بها فأْمُرْه
أن يعطيني تلك النخلة حتى أقيم حائطي بها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أعطه إياها بنخلة في الجنة " ، فأبى ذلك الرجل ، قال
: فأتاه أبو الدحداح رضي الله عنه فقال : بعني نخلتك بحائطي ، قال : ففعل ذلك الرجل ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ابتعت النخلة بحائطي فاجعلها له ( أي لذلك
الرجل الذي يريد أن يقيم حائطه عليها ) فقد أعطيتُكَها يا رسول الله ، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : "كم من
عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة "! ، قال : فأتى امرأته فقال : يا أم
الدحداح اخرجي من
الحائط فإني بعته بنخلة في الجنة ، فقالت " ربح
البيع " أو كلمة تشبه هذه ..
والله لا
نملك إلا أن نقول حسن ظنٍ بالله تعالى .. ربح البيع أيتها المرأة الصالحة نحسبك كذلك ولا
نزكي على الله أحدا .
4
لا أدري ما الله صانع بي !
في
يوم من الأيام .. كنت جاسا في مكتبي .. فإذا بظرف يحمل إلي .. فتساءلت : يا ترى ما
بداخل هذا الظرف ؟
أهي
مشكلة لأسرة فقيرة ؟
أم
بحث علمي ؟
فقلت
لعي أفتح الظرف ليتبين لي ما بداخله وأقطع تلك الأفكار والهواجس ..
فلما
فتحت الظرف فإذا بعيني تقع على ذهب ومجوهرات .. ثم شاهدت معها رسالة مغلقة ..
فسارعت بقراءة ما بداخلها .. لأتعرف على سر الذهب والمجوهرات .. فإذا
بامرأة توصيني بإيصاله إلى جهات خيرية لتتولى توزيعه على مستحقيه في مشارق الأرض ومغاربها .. ثم تقول بعد ذلك :
بامرأة توصيني بإيصاله إلى جهات خيرية لتتولى توزيعه على مستحقيه في مشارق الأرض ومغاربها .. ثم تقول بعد ذلك :
كغيري من
الفتيات كنت أنتظر زوجاً يطرق بابنا .. وهذا هو ما حصل ثم تزوجت ولكن الله تعالى لم يقدر لي هذا الزواج أن
يستمر .. والحمد لله على كل حال .. لا أملك والله من حطام الدنيا إلا هذا .. لا أدري ما
الله ما صانع بي بعد ذلك .. ولا يقدر الله لعبده إلا خيرا ..
تأملت حال
أخواتي المسلمات.. وما يتعرضن له من فتنة في الدين .. وهتك في الأعراض
.. وصدٍ عن سبيل الله .. فحمدت الله على ما أنا فيه من خير وعافية .. وهاهو ما أملكه بل هو كل شيء
وأرجو الله تعالى أن يخلف علي خيرا ..
تعليق
:
قلت أسأل
الله تعالى أن يفرج كربتكِ ، وأن يجعل لكِ من كل ضيق مخرجا وأن يخلف عليكِ
ما أنفقتِ ...
5
به عرفت أن للحياة هدفاً أسمى ، يسعى الإنسان
من أجله ، أيام وليالي تمر علي هي والله غنائم بالعلم ، إذا انقضى يوم منها لم أستفد فيه من فنونه هو
ليس من أيامي
.. ليس من عمري .. نعم لقد علمني تدراسه كيف هي الحياة وأنسها .. أنسها بالله تعالى .. وتدارس قال الله .. قال رسوله صلى
الله عليه وسلم ..
أنس الحياة
.. قال أحمد .. رجح ابن تيميه رحمه الله .. صوّب الشيخ ابن باز .. رجح الشيخ محمد رحمهم الله تعالى ..
أنس الحياة
.. في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم ..
لذة الحياة وبهجتها .. حدثنا فلان
عن فلان .. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا .. رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يفعل مثله ..
لذة
الأوقات وبهجتها .. بعد صلاة الفجر وأنا أترنّم مراجعة لبعض المتون التي حفظتها .. فتارة مع منظومة
السعدي في القواعد الفقهية :
الحمد
لله العلي
الأرفقِ – وجامع الأشياء والمفرّقِ
ثم أنتقل
إلى رحيق المصطلح .. عبر منظومة البيقوني :
أبدأ بالحمد مصلياً على –
محمد خير نبي أرسلا
فأقفز في
ذهني إلى المنظومة
الرحبية في الفرائض المرددة :
أول
ما تستفتح المقال - بذكر حمد ربنا تعالى
وهذه ورقات
تشتمل على أصول من أصول الفقه .. وهكذا دواليك .. حتى طلوع الشمس .. لا إله إلا
الله .. كيف يجد رجل أو شاب ممن هم من أهل الصلاح أنس الحياة بغيرها .. وقد
هُيئت لهم الأسباب .. ولولا أن الله تعالى قال {وَلاَ
تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ } النساء32
لتمنيت أني أكون شاباً لأجالس أهل العلم وآنس بصحبتهم ..
لا أكتمكم سراً إذا قلت لكم أنه ينتابني في
كثير من الأحيان أثناء مُدارستي لبعض الفنون كأن روحي ترفرف إلى السماء .. أي والله وبلا مبالغة .. ولا أدري لماذا .. حتى ربطت ذلك
يوما بقوله صلى
الله عليه وسلم " إن الملائكة لتضع أجنحتها
لطالب العلم رضا بما يصنع "

فقلت في
نفسي هل أكون كأهل العلم .. هل أكون كأهل العلم وطلبته في ذلك .. لعل ذلك يكون ولو بمحبة العلم
والرغبة في تحصيله وإن لم أبلغ مدهم ولا نصيبهم ..
والله إن
لي ما يقارب خمسة أشهر أو تزيد وأنا أشتهي الخروج مع أهلي للنزهة
الأسبوعية للمزرعة أو البر، فأنا أحب تأمل الأشجار والثمار ومياه السواقي .. ولكن
لأن ذلك اليوم يتوافق مع وقف درسي علمي أحضره لم أستطع ذلك بل لم أوثر على هذا الدرس
شيئا .. ومع أن أهلي قد يخرجون مرة أخرى في اليوم الذي يليه لكن لا أستطيع الخروج
لإنهاء بعض الأعمال حتى لا يؤثر تركها علي مراجعة العلم وكتابته في بقية الأسبوع .
لقد كنت
أقرأ قصة ذلك
الرجل الذي يقول : بقيت سنين أشتري الهريسة ولا أقدر عليها لأن وقت بيعها في وقت سماع الدرس ..
لقد كنت أقرأ هذه العبارة مجردة حتى تحقق لي ذلك على أرض الواقع بمنة من الله وفضل ..
بل والله
لقد فقدت يوماً مجلدا من المجلدات وقد نفدت هذه النسخة من المكتبات .. فاغتممت لذلك غما كثيرا
.. حتى أشفقت علي أخواتي .. لما أصابني فأخذن يبحثن معي عنه فلم أستفد في ذلك
اليوم .. فلما وجدته بحمد الله سجدت لله تعالى مباشرة ..
إنني لا
أستطيع مفارقة الكتب المجلدة .. لا
في حضر ولا في سفر .. فكنا إذا أردنا سفراً سألني الأهل عن حقيبتي .. لأنها تحتاج إلى مكان أوسع .. فكل
المتاع بعدها أهون كما يقول أهلي ذلك !!
وكنت بحمد
الله تعالى لا أحمل فيها شي من حطام الدنيا إلا ما ندر ولكنها لكتبي التي لا أستطيع
أن أفارقها ..
وذات يوم أراد
الأهل الخروج .. فدخل علي أخي بعد أن أحس أن في البيت أحداً من أفراد
العائلة .. فمر على مكتبتي كالعادة ؟! فوجدني جالسة قد آنست الكتب وحشتي .. فقال :
فلانة ألن تخرجي معنا كالعادة .. فقلت نعم ..
فقال وهو
يقلب نظره في مكتبتي يمنة ويسرة فقال لي فلانة .. قلت نعم .. قال : أنتِ تعيشين في عالم
آخر .. فقلت أجل .. أجل .. أخي إن العلم أنيس في وحشة .. وصديق في الغربة .. وفوق ذلك
فيه رضا الرحمن وهو طريق دخول الجنان ..
أجل ..
سعادتي في مكتبتي ومع
كتبي .. والله إن هذه السعادة تضيق إذا فارقتهما حتى أرجع إليها ..
لست والله
مبالغة لكنها
الحقيقة .. أكتب لكم ذلك لعل في قصتي تكون العظة والعبرة لمن ضيعوا أوقاتهم وأقبلوا على قراءة كل
شي إلا قراءة كتب أهل العلم .. أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة ..
تعليق
:
هل سمعتم
بأسيرة للعلم كهذه .. لقد ذكرتني والله هذه الفتاة بإقبالها على العلم بأسماء بنت أسد
الفرات .. ورابعة بنت محمود الأصفهانية .. وزليخة بنت إسماعيل الشافعي .. وغيرهن
مما يضيق المقام عن حصرهن ..
إنها رسالة
لتلك الفتاة التي عكفت على قراءة القصص الهابطة .. والمجلات الفاسدة ..
فشتان بين من تعكف على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ومن تعكف على قال
الشيطان وأعوانه وجنوده !! نسأل الله السلامة والعافية ..
6
وفي الليل
لهن شأن آخر
يحدثني أحد
الأخوة من طلب العلم يقول : كان لدي مجموعة من الأخوات الكريمات .. أقوم
بتدريسهن بعض المتون العلمية في مركز من المراكز النسائية ..
يقول :
أقدم أحد الشباب الأخيار لخطبة واحدة منهن .. وفي ليلة زواجها .. بل وبعد
صلاة العشاء .. وبينما أنا في مكتبتي .. وإذا بها تتصل علي .. فقلت في نفسي : خيرا إن شاء الله تعالى ..
وإذا بها تسأل عن حديث
النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال " رحم
الله رجلاً قام من الليل فصلّى فأيقظ امرأته فإن أبى نضح في
وجهها الماء ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلّت فأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه
الماء "
..
أتدرون
لماذا تسأل ؟ .. هي تسأل هل من المستحسن أن أقوم بأمر زوجي بصلاة الليل ولو كانت أول
ليلة معه ..
يقول هذا
الأخ : فأجبتها بما فتح الله علي ..
فقلت في
نفسي : سبحان الله تسأل عن قيام الليل في هذه الليلة وعن إيقاظ زوجها .. ومن رجالنا من لا يشهد صلاة
الفجر في ليلة الزفاف ! .. ولا أملك والله دمعة سقطت من عيني فرحاً بهذا الموقف الذي
إذا دلّ على شيء فإنما يدل على الخير المؤصل في أعماق نسائنا ..
حتى يقول :
كنت أظن أن النساء جميعاً همهن في تلك الليلة زينتهن ولا غير ..
وأحمد الله
تعالى أن الله خيّب ظني في ذلك وأراني في أمتي من نساءنا من همتها في الخير عالية ..
وهذه والدة إحدى الفتيات تقول :
ابنتي
عمرها سبعة عشر فقط ، ليست في مرحلة الشباب فقط لكنها مع ذلك في مرحلة المراهقة .. حبيبها الليل كما تقول والدتها ..
تقوم إذا جنّ الليل .. لا تدع ذلك لا شتاء ولا صيفا .. طال الليل أم قصر .. تبكي ..
لطالما سمعت خرير الماء على أثر وضوءها .. لم أفقد ذلك ليلة واحدة .. وهي مع ذلك
تقوم في كل ليلة بجزأين من القرآن .. بل قد عاهدت نفسها على ذلك إن لم تزد فهي لا تنقص
.. إنها تختم القرآن في الشهر مرتين في صلاة الليل فقط .. كنت أرأف لحالها -كما
تقول والدتها - لكنني وجدت أن أنسها وسعادتها إنما هو بقيام الليل .. فدعوت الله لها أن
يثبتها على قولها الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن يحسن لنا ولها الخاتمة ..
تعليق
:
يا أيتها الفتاة .. دونكِ
هذه الفتاة .. عمرها سبعة عشر عاماً وتقوم الليل .. لماذا ؟! لقراءة كتاب الله .. للصلاة .. لسؤال الله
سبحانه وتعالى .. للتهجد .. للدعاء ..
أفلا تكون لكِ قدوة أيتها الفتاة التي طالما قمتِ الليل .. لكن لأي شي .. إنكِ تقومين مع بالغ الأسف لمحادثة الشباب ومعاكستهم .. فهلا أيتها المباركة .. لحقتِ بركب الصالحات .. واقتديتِ بهذه الفتاة ..
أفلا تكون لكِ قدوة أيتها الفتاة التي طالما قمتِ الليل .. لكن لأي شي .. إنكِ تقومين مع بالغ الأسف لمحادثة الشباب ومعاكستهم .. فهلا أيتها المباركة .. لحقتِ بركب الصالحات .. واقتديتِ بهذه الفتاة ..
أسأل الله
تعالى لكِ ذلك ..
7
الهمة العالية
تشربتُ
حب الدعوة إلى الله تعالى .. هي كالدم تجري في عروقي .. لا أستطيع أن أتناسى ذلك
أو أنساه .. نعم .. أنا امرأة ضعيفة كما أعلم من نفسي ويشير إلي كثير من الناس ..
بل أنا امرأة من جنس النساء لكنني كنت أعلم أن من أساسيات النجاح في الدعوة التوكل
على الله ..
كنت
أتأمل قول ابن القيم رحمه الله تعالى .. وهو يتكلم عن أرفع مقامات التوكل حيث يقول
:
أرفع
مقامات التوكل : التوكل على الله في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى .. وهو توكل
الأنبياء والصالحين ومن سار على نهجهم من الدعاة والمصلحين ..
فقلت
في نفسي : حسبي الله ونعم الوكيل ..
كنت
أتأمل أمر الله تعالى لمريم عليها السلام في قوله تعالى {وَهُزِّي
إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }مريم25
فقلت
في نفسي : سبحان الله كيف لمريم عليها السلام .. وهي المرأة الضعيفة كحالي .. بل
هي منهكة في أضعف أحوالها في حالة مخاض لا تستطيع الحراك .. يأمرها الله تعالى أن
تهز النخلة .. وهي قلقة مضطربة .. وتهز النخلة ..
سبحان
الله .. النخلة التي هي من أصلب الأشجار وجذوعها .. من أقوى الأخشاب .. ومع ذلك
جاءها الأمر الإلهي بأن تهز النخلة اتخاذاً للأسباب .. فتأتي النتيجة وهي تساقط
الرطب ..
حينها
علمت أن علي فعل الأسباب والتوكل على الله .. والذي هيأ لمريم عليها السلام أن
يتساقط عليها ذلك الرطب .. فسيهيئ الله لي ثمرة دعوتي إن شاء الله .. ولعل الله
سبحانه وتعالى بحكمته وإرادته أراد أن يمتحن صبري في ذلك .. ليتحول هذا الأمر من
واقع نظري إلى واقع عملي ..
تزوجت
بحمد الله تعالى .. وانتقلت مع زوجي إلى عمله خارج المملكة .. وحملت معي هم الدعوة
في أول أيامي هناك ..
مع
ظروف الحياة الزوجية .. وغربة الأهل والديار وفقد الوالدين والرحم .. انقلبت حياتي
رأساً على عقب .. فتذكرت حينها غربة إبراهيم في قومه .. ويوسف في السجن .. ومحمد
عليه الصلاة والسلام وهو يهاجر من مكة إلى المدينة ..
ومما
زاد الطين بلة أن زوجي قد حكم علي ألا أخرج من المنزل .. فعرضت عليه أن أجمع نساء
الحي في منزلي .. فوافق مشكوراً على ذلك .. فاتصلت عليهن فجمعت النساء في منزلي
وقد كنا من الجاليات المسلمة .. كان العدد لا يتجاوز الأربع .. استضفتهن في بيتي
.. مع الحفاوة والتكريم .. ووالله الذي لا إله إلا هو ما أردت من خلال ذلك إلا
للدعوة إلى الله تعالى ..
اقترحت
عليهن بعد اجتماعين أو ثلاثة .. أن نتلو شيئا من كتاب الله تعالى .. وافقن على ذلك
.. ويتبع ذلك إلقاء درس تربوي .. زاد العدد بحمد الله تعالى على مراحل .. حتى
استقر على أربعين امرأة ..
حان
وقت العودة إلى بلدي .. وقد كنت قبل ذلك أبذل غاية جهدي في تعليمهن وتربيتهن بحمد
الله سبحانه وتعالى .. ووالله الذي لا إله إلا هو لما حان وقت العودة إلى بلدي لم
آسى على شي في ذلك البلد الذي يعج بالفضائح والمنكرات إلا على هذا الدرس .. ودعتهن
على أمل العودة .. حتى لا يتفككن وتضعف همتهن .. وقد كنت أعلم أني لن أعود ..
عينت
واحدة من الأخوات على هذا الدرس .. فكانت تُسمّع لهن ما يطلب حفظه .. وأكون وأنا
في بلدي قد أعددت الدرس ثم أرسله بالفاكس .. لتقوم هذه الأخت بقراءته على الأخوات
.. مع قيامي بالاتصال عليهن بين الفينة والأخرى .. لأطمئن على حفظهن .. وإن كان هذا قد كلفني بعض الأعباء المالية ولكن
ذلك يهون في سبيل الدعوة إلى الله تعالى ..
وقد
مكثت على هذه الحال بحمد الله تعالى ما يقرب من سنتين .. أحمل لهذا الدرس هما
عظيما .. وأنا أتصور حال أولئك النسوة وما يعشن فيه من فتنة لا يعلمها إلا الله
سبحانه وتعالى ..
ومما
زاد همي وغمي أن الأخت القائمة عليهن هناك اعتذرت على المواصلة لظروفها .. فأصابني
والله من الهم ما الله به عليم .. ولكن الله تعالى قريب ممن دعاه .. لجأت إلى الله
تعالى أن يقيّض لي سبباً كما قيّضه لمريم عليها السلام ..
حتى
جاء الفرج من الله تعالى بافتتاح مركز إسلامي في ذلك البلد .. ولحاجة هذا المركز
إلى نساء اتصلت علي القائمة على المركز وهي من الأخوات الفاضلات تطلب مني ضمهن إلى
المركز .. فكان كذلك بحمد الله تعالى ..
وهكذا
انتقل الدرس .. من درس في بيت إلى منهج في
مركز .. وما زال إلى الآن بحمد الله تعالى يسير من حسن إلى أحسن .. بل ما زلت بحمد
الله على اتصال بهن حتى هذه اللحظة ..
من
هنا يتضح أن من يبتعد عن الدعوة .. ويتخاذل عن التقديم والعمل للدعوة .. ويُبعد
نفسه حتى من صفوف المستقيمين المصلحين .. إنما ذلك هو عجز وخور .. وضعف وتواضع
مصطنع ..
فالدين
لمن خدم الدين .. فعلى المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس على المرء أن تتم
المقاصد ..
منا
النداء وعلى الله البلاغ وعلى الديك الصياح وليس عليه أن يطلع الصباح !!
وهو أولا وآخراً كما
تقول الأخت تشبهاً بالدعاة والمصلحين عسى الله أن يجعلنا منهم " ومن تشبه بقوم فهو منهم "
8
المكلومة
أنا
لم أفقد ولداً أو زوجاً قريبا أبكي عليه .. وليت الأمر كان كذلك لكان الأمر أهون
.. أنا فتاة لم أتزوج بعد .. في ريعان شبابي .. لست أدري من أين أبدأ .. وإلى أي
حد أنتهي ..
الكلمات
تتصارع في ثغري .. والدموع تنسال على خدي .. لتخبركم بحقيقة طالما حبستها بين
أنياط قلبي .. لقد عشت حياة الانسيابية .. لست بحاجة إلى تفاصيل هذه الحياة فقد
سمعتم بذلك كثيراً ..
هي
حياة تبدأ بالمجلات الهابطة .. وتنهتي بالمعاكسات الهاتفية .. وما يتبع ذلك أعرف
أن ذلك ليس هو المطلوب من إيراد هذه القصة .. ولكني سأحدثكم عن توبتي .. وهي جانب
مشرق من الجوانب المشرقة في حياة المرأة المسلمة .. كيف لا وباب التوبة مفتوح ..
وليس العجب من التوبة ولكن الجانب المشرق في هذا هو حرقة الذنب الذي وجدته في صدري
.. حتى زلزل ذلك كياني .. نعم أقول ذلك وهي كلمات عابرة .. لكنها بقلبي جروح نازفة
..
لقد
والله هجرتني السعادة .. وظلت تعاتبني الأمانة .. حتى ضاقت بي الأرض بما رحبت ..
فصارت كوابيس الأحلام تهددني .. لقد كنت أقرأ قول اله تعالى {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا
ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ
وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ
لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } التوبة118..
قرأتها
والله حينما منّ الله علي بالهداية .. ووالله الذي لا إله إلا هو كأنني أقرأ هذه
الآية في أول مرة .. لطالما قرأت قصة الغامدية .. فكنت أقول في نفسي من الذي دفعها
لتقديم نفسها فداء !! ..
وبعد
أن من الله علي بالتوبة عرفت لما فعلت ذلك .. ووالله الذي لا إله إلا هو لطالما
تمينت إقامة الحد ليرتاح ضميري .. أنا بحمد الله تعالى لم أصل إلى حد الزنا بل ولا
رآني من أحدثه .. لكن هذا الذنب بمفرده قطّع نياط قلبي .. أحمد الله تعالى لقد
حملتني حرقتي على الذنب أن استبدلت تصدير وتجميل الرسائل الغرامية في جوف الليل ..
إلى تجميل وجهي بدموع التوبة ..
ما أروع هذه الدموع من
دموع .. وما أجملها من عبرات .. لقد غسلت فيها هموم حياتي .. وآثار الذنوب
والمعاصي .. حتى تبدلت بنور الطاعة .. ولذة الهداية ..
أنا
الآن داعية إلى الله تعالى بلساني وقلمي .. يحرقني الذنب إلى أن يجعلني أسطر حروف
الانكسار في لساني وقلمي .. بعد أن كنت أملأ الصحف والمجلات بكتابات ساخطة ..
أصبحت بعد ذلك أتحدّى كل من يعزف على أوتار الكتابة لتحرير المرأة المسلمة ..
وسأظل في صراع معهم حتى ينصر الله الإسلام والمسلمين .. وأخيراً لا أستطيع أن أصف
لكم واحة الراحة في قلبي ولكن يكفي أن أقول لكم إني ولدت من جديد ..
أختكم :
التائبة
9
الخاتمة
الحسنة
قصة
عجيبة .. حدثني بها زوج هذه المرأة ..
القصة
لشابة في الثلاثة والثلاثين من عمرها .. وقد حدثت في عام 1418 هـ كما يحدثني زوجها
بذلك ..
لا
أكتمكم سراً إذا قلت لكم لقد والله ضاقت عليّ حروف اللغة على سعة معانيها حال
كتابة هذه القصة .. التي أحسست أنني أكتبها باندفاع .. وأقولها الآن باندفاع ..
يقول
زوجها : زوجتي لها في الخير سهم .. تعيش هم الدعوة إلى الله تعالى .. حتى كان همها
أن تنطلق إلى الدعوة إلى الله تعالى خارج أرض المملكة .. وأنا بحمد الله تعالى
أعيش هذا الهم ..
اتفقت
أنا وهي على الخروج إلى الدعوة .. لمدة شهر وقد تزيد على ذلك ..
في
ذلك اليوم .. كانت تتكلم عن الدعوة بشوق وحماس .. كانت هذه عادتها .. لكنني لاحظت
عليها في ذلك اليوم مزيد اهتمام .. وفجأة .. بدأت توصينا على الأولاد .. وفي تلك
الليلة أحسّت بتعب .. ذهبت بها أثر ذلك إلى المستشفى .. ثم تم تنويمها لإجراء
الفحوصات ..
الفحوصات
تثبت أن كل شي سليم .. وكان دخولها للمستشفى في ليلة الثلاثاء ..
من
الغد أي يوم الأربعاء والأمر لا يدعوا إلى القلق .. لكن من معها في الغرفة يسمعنها
كثيراً تردد قول الله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
وفي
يوم الخميس .. وبعدما صلّت صلاة الضحى .. اتصلت علي تطلب مني أن أسامحها إن كان
بدر منها تقصير .. تذكر ذلك وهي تردد الشهادة كثيراً ..
ذهبت
إلى المستشفى مسرعاً .. وكان الوقت ضحى ولا يسمح بالزيارة في ذلك الوقت .. فاتصلت
عليها من صالة الانتظار .. وإذا هي تردد الشهادة ثم تقول لا إله إلا الله .. إن
للموت سكرات .. أشهد أن الموت حق .. وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة حق وأن
النبيون حق ..
أغلقت
سماعة الهاتف على أثر ذلك .. وحاولت بالمسؤولين مرة أخرى .. لكنهم رفضوا أن أقوم
بزيارتها ..
طلبتُ الطبيب .. فقال زوجتك ليس فيها شي ..
لكنها تحتاج إلى تحويلها إلى مستشفى الصحة النفسية .. فلأول مرة كما يقول الطبيب
امرأة تكون في سكرات الموت وتقول هذا الكلام !! .. زوجتك ليس فيها شي ..
يقول
زوجها .. في أثناء حديثي مع الطبيب فاضت روحها .. بعدما تلت قوله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
ثم نطقت بالشهادة .. فتوفيت رحمها الله تعالى كما تذكر
النسوة الجالسات معها ..
يقول
زوجها : رؤيا فيها بحمد الله تعالى منامات كثيرة .. وتكاد تتفق الرؤى أنها في قصر
فسيح .. وعليها ثوب أخضر .. بحالة طيبة وحالة حسنة ..
تعليق :
رحمكِ
الله أيتها المرأة وأسكنكِ فسيح جناتك .. وهنيئاً ثم هنيئاً لك هذه الخاتمة الحسنة
.. فأين هذه من تلك التي تردد الأغاني الساقطة في سكرات موتها ؟!
10
حكايتي مع الصدقة
كنت أرى زمن
الماديات قد طغى فتملكني اليأس ، حتى
جاءتني هذه القصة فانبعث في الأمل ، روعة هذه القصة
في بساطتها ، لا تظن أن صاحبة هذه القصة تملك الملايين ، كلا ، جمال هذه
القصة بإيثار هذه الفتاة ، والله لقد
تذكرت وأنا أقرأ هذه القصة ، موقف عائشة أم المؤمنين
رضي الله تعالى عنها ، حينما أنفقت في يوم واحد ألف درهم وهي صائمة ،
فقالت لها خادمتها : لو أبقيتِ لنا ما
نفطر به اليوم ، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها
: " لو ذكرتني لفعلت " .. ولعلي لا أطيل عليكم لأترككم مع قصة هذه
الفتاة حيث تقول :
اسمعوني ولا تعجبوا
، فلي مع الصدقة شأنٌ عجيب ، إنني أعيش معها حياة الراحة
واللذة والسعادة ، كم أحبها ، لا أعلم
شيئاً يأنس الإنسان بتفريقه إلا الصدقة ، فأنسنا
معشر الناس في الجمع لا التفريق لكنني مع الصدقة أجد الأمر بخلاف ذلك ، أنا
لستُ بصاحبة أرصدة في البنوك ، وأسرتي
ليست بذات الثراء ، حتى تسد حاجتي ، نعم ، أنا
طالبة في الكلية ، قد تتعجبون لتقول بعد هذه المقدمة ، من أين لكِ المال ؟!
لأقول لكم : إنها
مكافأة الكلية على قلتها ، فأنا بحاجة إلى ما تحتاجه كل فتاة من
ملابس ، ومذكرات ومصروف يومي ، وغير
ذلك من متطلبات الفتاة ، إلا أن حبي للصدقة نحر
كل رغبات الحياة ، نعم في نهاية كل شهر أنتظر هذه المكافأة على أحر من الجمر ،
لدي قائمة لأسماء بعض الأسر الفقيرة ،
أقتسم أنا وإياهم هذه المكافأة ، نعم ، والله لقد
كنتُ أقتفي أخبار اليتامى والمساكين ، كما يقتفي العطشان أثر الماء ، والذي
نفوس الخلائق بيده ، إنني لا أملك نفسي
إذا جاءني مسكين يمد يده ، أشعر حينها باضطراب
حتى أسد خلته ، لقد استلفتُ في يوم من الأيام مبلغاً من المال ، لأسدد أجار
منزل أسرة فقيرة ، وما كنت أعلم أن
ورائي سوى هذه المكافأة ، في يوم من الأيام جاءتني
مسكينة تمد يدها ، فلم أجد ما أعطيها إياه ، ضاقت علي الأرض بما رحبت ،
لجأتُ إلى ربي قائلة : يا الله ، قلبتُ
نظري في سيرة القدوة والأسوة محمد بن عبد الله
على أفضل الصلاة وأتم التسليم ،فإذا في سيرته أنه كان إذا عرض له محتاج آثره
على نفسه ، تارةً بطعامه ، وتارةً
بلباسه ، وحينما وصلتً إلى هذا الحد ، تذكرتً ثوباً
متواضعاً كنتً قد قمتً بتجهيزه لزواجِ أخي ، فسارعت إلى بيعه ثم قمتُ بدفع
ثمنه كاملا لهذه السائلة ، كنتُ أعلم
أن من سيرته عليه الصلاة والسلام ، أنه ربما نزع
رداءه وتصدق به ، تمنيتُ حينها أن لو كنتُ ارتديتُ هذا الثوب ، لأنزعه لهذه
المسكينة حتى تكتمل صورة الاقتداء ، عمدتُ
بعد ذالك إلى ثوبٍ من ثيابي السابقة ، ولبسته
في زواج أخي ، وكنتُ أنظر إلى الفتياتِ في الحفل وأقول : آه لوظفرتِ بثوبٍ
من هذه الثياب ، لا لأرتديه ، ولكن ،
حتى أبيعه وأتصدق بثمنه ، لقد كنتُ أستلم مصروفي
اليومي من والدي ، ثم أختلس لقيمات من إفطار البيت وآكلها ، ثم أتصدق
بمصروفي ، ولا أذكر أنني تخلفتُ عن
ذالك يوماً واحدا ، أقسمُ لكم بالله أني أجدُ لذةٍ
لذالك لا تعادلها لذّة ..
هذه هي حياتي مع
الصدقة ، فأين أنتم يا أرباب الأموال ؟!
جربوا هذا الطريق
حينها ستجدون سعادةً هي أعظم من سعادة كثرة المال
...
تعليق :
بارك الله في مالكِ
أيتها الفتاة الصالحة ، وأخلف عليكِ ما
أنفقتِ ، وإنني أذكر نفسي وإخواني بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي يقول
فيه : ( ما
من يومٍ يصبح به العباد إلا وملكانِ ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعطِ
منفقاً خلفا ، ويقول الآخر : اللهم
أعطِ ممسكاً تلفا ) رواه البخاري من
حديث أبي هريرة رضي الله
تعالى عنه ...
11
ففيهما فجاهد
رأى
ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً قد حمل
أمه على رقبته ، وهو يطوف بها حول الكعبة ، فقال
: يا ابن عمر أتراني جازيتها ؟! قال : ولا بطلقةٍ واحدةٍ من طلقاتها ، ولكن
قد أحسنت والله يثيبكَ على القليلِ
كثيرا ... ليس بكثيرٍ بر الولد بوالديه ، ولكننا في
زمنٍ قلّ فيه الوفاء ، فكم وكم نسمع من تنكر لكثير من الأبناء لوالديهم ، ولكن
قصة فتاتنا هذه تعيدُ لنا الأمل ، وفي
الأمة خيرٌ كثيرٌ بحمد الله تعالى ، هي قصة فتاة
تعيش مع عائلةٍ قوامها الأم والأب والأخ وثلاث بنات هي إحداهن ، تزوجت البنات
الثلاث ، ولكن بعد فترة طلقت واحدة
منهن ، ولعلّ الله تعالى أراد بها خيرا ، قدّر الله
بعد ذلك وفاة الأخ ، ثم تبعه الأب ، ولم يبقى في البيتِ سوى الأم وهذه البنت
المطلقة ، هنا يبدأ الامتحان ، تقدم
رجل لخطبة هذه الفتاة ، فوافقت بشرطِ أن تبقى مع
أمها ، وأن يأتيها في يومها في بيتِ والدتها ، وافقَ على ذلك وتم الزواج ،
فقامت هذه البنت على خدمة والدتها ، من
تهيئة الطعام والشراب وغسيل ملابسها ، وما يتبع
ذلك ، كانت تقول : أجد لذة وأنساً وسعادةً في ذلك ، كيف لا وطعامي ضرعها ، وبيتي
حجرها ، ومركبي في صباي يداها وصدرها وظهرها ، أحاطتني ورعتني ، كانت تجوع
لأشبع ، وتسهر لأنام ، كانت بي رحيمة ،
وبي شفيقة ، كانت تميطُ عني الأذى ، أول من عرفتُ
هو اسمها ، كنتُ أحسبُ كل الخير عندها ، وكنت أظن أن الشر لا يصل إلي إذا
ضمتني إلى صدرها ، أو لحظتني بعينها ،
يا إلهي ، هل أقدر بعد ذالك على رد دينها ؟!
كنتُ أقول في نفسي
: آهٍ لقساة القلوب الذين تنكروا لآبائهم وأمهاتهم ، كبرت والدتي
كما تقول هذه الفتاة ، وكانت لا تعرف
الأوقات ، فكنتُ آتيها بسجادتها ، وأخبرها بدخول
الوقت ، ثم أجلس أرقب صلاتها لأصحح لها أخطاءها حتى تنتهي ، أصبحت أمي بعد
ذالك لا تقدر على الحركة ، فكنت أحملها
وأقوم بتنظيفها وإزالة الأذى عنها ، بعدما أصبحت
لا تمسك البول والغائط ، أفعلُ كل ذالك بحمد الله تعالى بنفسٍ راضيةٍ مطمئنة
،
مع معاناتي لآلام الحملِ وأوجاعه ، كنت
أقول في نفسي : هو دينٌ أقوم بسداده ، وكنت
أشتري لها ما تحتاجه عن طريق رجلٍ ثم أقوم بعد ذالك بسداده متى ما توفر المال
،
فالحال لا يعلمها إلا الله تعالى ، دامت
أمي على هذه الحال سبع سنوات حتى توفاها الله
تعالى ، قامت أختاي لإخراجي من المنزل لبيعه ، ولكن الله تعالى سخر لي هذا
الرجل ، فاشترى لي مسكناً ، وقد رزقتُ
منه بابنين أحمد الله تعالى على أن رزقني برهما
، فقد تفوقا في دراستهما ، والتحقا بحلق تحفيظ القرآن الكريم ، فهما من
الشباب الصالحين ، وأصبحا يتناوبان على
الذهاب بي إلى بيت الله الحرام ، وفوق ذالك ، رزقني الله تعالى
محبة الناس ، وأحسبُ أن ذالك من بركة بري بوالدتي .
فهل
سمعتم بقصتي يا من تنكرتم لفضلِ
والديكم ؟! كنتُ والله الذي لا إله إلا هو أرى الجنة تحت
قدميها ، ما كنتُ أرى لي بكبير عملٍ أطمع بسببه دخولي الجنة غير هذا ، مع أنني
بحمد الله تعالى ، فتاة ملتزمة ، ولما
لا ؟! أليست الجنة تحت أقدام الأمهات ، كما أخبر
بذالك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام ، نعم ، لقد بكيت والله بكاءً مراً
حال وفاتها ، ليس جزعاً من قضاء الله
وقدره ، ولكن كنتُ أتأمل قصة الحارث الأكلبي لما
بكى في جنازة أمه ، فقيل له تبكي ؟ قال : ولمَ لا أبكي وقد أغلق عني باباً من
أبواب الجنة "
إنني أبعثها لكم
رسالة أيها الأبناء : بروا آباءكم وأمهاتكم ، وستجدون
الأنس والسعادة التي وجدتها ، ولكنني فقدتها بوفاة والدتي رحمها الله تعالى
،
والتي أرى أنها آخر معقلٍ من معاقل
السعادة فقد هوى من بين يدي ، ما أسعدكم يا من تعيشون
بين ظهراني والديكم ، وأنتم بهم بررة ، وما أقساكم يا من تملكون القصور
والدور وآبائكم وأمهاتكم في دور العجزة
يأوون ويسكنون ، آهٍ لو أستطيع أن أظفر بأحد هؤلاء
، الذين يقطنون دور العجزة لأستجلب سعادة طارت من بين يدي .
يا قوم : ما
أحسبُ أنه فاتني من بر والدي إلا ما
كان من حجر ابن الأجبر يصنع مع أمه ، فقد كان يلمس
فراش أمه بيده فيتهم غلظَ يده ، فيتقلب عليه على ظهره فإذا أمن أن يكون عليه
شيء أضجعها ، كنتُ أتمنى لو قرأتُ هذا
قبل وفاة أمي ، لصنعت ذلك معها ولكن عزائي أنني
ما زلتُ بوالدي بارة ، حتى بعد وفاتهما ، فأنا أدع لهما وأتصدق عنهما ، وأصلُ
أحبابهما وعسى الله أن يعفو عني .
تعليق :
ما أجمل صنيعكِ
أيتها الفتاة ، وإني لأذكر قصتك
لأرسلها رسالة مطلب للقيام بحق الوالدين وهي رسالة عتب لمن قصروا
في حقوق الآباء والأمهات ، ولنقول لهم
على إثر ذالك : الدين مردود ، وإنكَ لا تجني من
الشوك العنب ...
12
هذه هي الصابرة
الكلام
عن الصبر يطيب ، كيف لا وهو يبين لنا من خلاله معادن الناسِ ، وقوة إيمانهم ،
وصبرهم ورضاهم بما قسمه الله وقدره .
ولما
رأيتُ الدهر يؤذن صرفه *** بتفريق ما بيني وبين
الحبائب
رجعتُ إلى نفسي فوطنتها على *** ركوبِ جميل الصبر عند النوائب
ومن صحب الدنيا على سوء
فعلها *** فأيامه محفوفة بالمصائب
فخذ خلسةً من كل يوم تعيشه *** وكن حذراً من
كامنات العواقب
والله
لو نطق الصبر لقال : هذه هي الصابرة ... لطالما وصفت المرأة
بالجزع والهلع ، لكن مع الإيمان ينتقل ذلك إلى صبرٍ ورضا ، امرأتنا هذه ، لها
مع الصبرِ شأن عجيب ، تقول إحدى الأخوات في رسالتها : هي قصة لامرأة وقفت
على فصولها ، هذه المرأة تزوجت ،
وانتظرت أكثر من عشرين عاماً ، تنتظر على إثر ذلك ريحانةً
لقلبها ، تنتظر مولوداً يشنف سمعها بلفظ الأمومة ، ولكن ، لم يقدر الله
تعالى لها من ذلك الزوج أولاداً ، طلبت
الانفصال عن هذا الزوج ، ، مع حبها الشديد له
، لكن عاطفة الأمومة لديها سيالة ، انفصلت عن زوجها وتزوجت بآخر ، فوهبها المنعم
المتفضل بعد طول مدةٍ مولوداً ذكرا ،
وفي أثناء حملها ، طلقها هذا الرجل ، فوضعت حينها
قرة عينها ، بعد طول ترقب وانتظار ، وحينها تقدم لها الكثير من الخطاب ،
ولكنها رفضتهم جميعاً لتربي ولدها ، عكفت
على تربيته ، لقد علقت فيه آمالها ، ورأت فيه
بهجة الدنيا وزينتها ، انصرفت إلى خدمته في ليلها ونهارها ، غذته بصحتها ،
ونمته بهزالها ، وقوته بضعفها ، كانت تخاف
عليه من رقة النسيم ، وطنين الذباب ، كانت
تؤثره على نفسها بالغذاء والراحة ، أصبح هذا الولد قلبها النابض ، تعيش معه
وتأكل معه ، وتشرب معه ، تؤنسه ،
تمازحه ، تنتظره وتودعه ، حين يذهب في المجالس وبين
الأقارب يحلوا لها الحديث بطرائفه ونوادره ، تهب البشائر والأعطيات لكل من
يبشرها بنجاحه أو قدومه من سفره ، ولما
لا وهو وحيدها وثمرة فؤادها .
تعد
الأيام والشهور لترى فلذة
كبدها يكبر رويداً رويدا .. كبر ذالك الطفل ، وأصبح شاباً يافعا ،
واستوى عوده ، واشتد عظمه ، كانت تقف
أمامه مزهوة شامخة ، كانت تجاهد على إعانته على
الطاعة ، كيف لا ، وهي كما تقول الأخت : عرفت منذ الصغر بطول قيامها وتهجدها ،
لا تدخل مجلساً إلا وتذكر الله وتنهى
فيه عن فحش القول أو البذاءة ، وهي مع ذلك من أهل
الصلاة والصدقة ، لطالما تاقت نفسها أن تسمع صوت وحيدها يؤم المصلين في المسجد
الحرام ، لكم تمنت أن يجعل الله له شأن
يعز به دينه ، لقد كانت كثيراً ما تختلي بنفسها
في أوقات الإجابة تدعو ربها ، وكم كان اسمه يسيطر على دعائها .
لا تنامُ إلا بعد
أن ينام ، ثم تقوم مرة أخرى وتدخل عليه لتعيد غطاءه ، وتصلح حاله ، تفعل ذلك
في الليلة الواحدة أكثر من مرة .
الله
أكبر ، مبلغ الحنانِ ومنتهاه ! أحسبُ أنكم تقولون
كفى ، فقد أبلغتِ في الوصف والثناء ، لستِ والله بمبالغة ، فهذه حالها مع
ولدها .
عزمت
على تزويجه ، لترى ولده وحفيدها ، بدأت تبحث له عن عروس ، ثم سعت إلى
تقسيم منزلها إلى قسمين ، العلوي له ،
والسفلي لها ، دخلت عليه في يوم من الأيام كالعادة
، نادته لم يرد عليها ، خفق قلبها ، رفعت يده فسقطت من يدها ، هزته بقوة ،
لم يتحرك ، بادرت بالاتصال على قريب
لها ، حضر على عجل ، فحمله إلى المستشفى ، أحست أن
في الأمر شيئا ، لكنها على أمل ، فماذا عملت ، لقد كان من أمرها عجبا !! توضأت
ثم يممت شطر سجادتها ، وسألت ربها أن
يختار لها الخيرة المباركة ، وصلت ، وبعد سويعات
، وإذا وحيدها قد مات ، نعم ، بعد أربعين سنة ، عشرون سنة ترقبه ، وأخرى
مثلها تربيه ، ضاع ذالك في لحظة واحدة ،
وما كان منها حينما بلغها الخبر ، إلا أن قالت
: وحيدي مات ، ثم استرجعت ، ثم رددت كثيرا : الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله.. ،
تقولها بثبات وصبر ، لم تندب ولم تصرخ
، ولم تشق جيباً أو تلطم خدا .
هذه
هي ثمرة الإيمان تظهر في
أشد المواقف وأصعبها وأحلكها ، كان وقع الصدمة شديداً على كل من
عرف ، بعض قريباتها يبكين أمامها ليس
لفقد الولد ، ولكن رأفةً بحالها ، كانت تنهاهن بحزم
وهدوء ، وتقول بلهجتها : ما هذا الخبال ، ربي أعطاني إياه ، أنا راضية والحمد
لله أنها لم تكن في ديني .
لله
أكبر ، لقد ضربت أروع الأمثلة في الصبر والرضا ، إلا
أن بعض النفوس الضعيفة ، من اللاتي يجهلن التسليم والرضا بالقدر ، لم يستوعبن
موقفها ، فمن قائلة : لعلها أصيبت
بحالة نفسية ، ومن قائلةٍ : هي ذاهلة ولم تستوعب بعدُ
وفاته ، وفي تلك الليلة التي مات فيها فلذة كبدها ، حان وقت طعام العشاء ،
فكان من أمرها عجبا ، امتنع الكثير عن
تناوله ، أما هي فقد مدت يدها إلى الطعام وهي تقول
: والله ليس لي رغبة فيه ، ولكني مددتُ يدي رضا بقضاء الله وقدره .
الله
أكبر ، ما أعظم موقفها ، لقد كانت تشعر
بالحرقة ، لكن على سجادتها بين يدي ربها تناجيه
وتدعو لوليدها ، نعم ، فقدت فلذة كبدها ، لكنها في الوقت نفسه المؤمنة
الراضية ، لقد حول صبرها ورضاها مع حسن
ظنها بالله تعالى حول هذه المحنة إلى منحة ، حينها
يكون لها حسن العقبى في الدارين بإذن الله "
تعليق :
أما
أنا فأردتُ أن أعلق على موقف هذه الصابرة فأعيتني الحيلة
، فتركتُ لكم هذه القصة على سجيتها ، لتتأملوها وتستلهموا منها العبرة
والعظة ...
13
أترجة البيت
ورد
في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله
تعالى عنه ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (
المؤمن الذي يقرأ القرآن
ويعمل به كالأترجة ، طعمها طيب وريحها طيب ، والمؤمن الذي لا يقرأ
القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ، ومثل
المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة
ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة ليس
لها ريح و طعمها مر )
رواه البخاري ومسلم .. ألا ما أروع الفتاة حين تكون مع
القرآن قراءةً وتدبراً وعملا !! أترجة البيت ... هذه لها مع القرآن شأن عجيب .
لنقرأ سوياً رسالتها
والتي توجهها إلى الفتيات وقد عنونت لها بقولها : ( أتريدين لؤلؤاً .. اغطسي في البحر )
تقول هذه الأخت : استعذبت يوماً
الحديث عن كتاب الله فجلست أقطف
زهيرات لها رحيق ، قصصاً أستنشقها ، ولأهديها لمن تاقت نفسها لحفظ
كتاب الله تعالى ، وتعلمه والاشتغال به
، نعم والله ، استعذبت حديثاً عمن فاقت عذوبة
ألفاظه وبديع نظمه ، امرأَ القيس إذا ركب ، وزهيراً إذا رغب ، والأعشى إذا طرب ، والنابغة
إذا رهب ، تدور نفسكِ مع وعدٍ ووعيد ، وتخويف وتهديد ، وتهذيب وتأديب ،
بل وإخبارٍ بمغيب ، حِكَم بالغة وقصص
واعظة ، إذا لاح لكِ زخرف الدنيا الفاني ، ونعيمها
البراق الخادع ، تأتيكِ {أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً }الفرقان24
.
إذا
أوذيتِ في سبيل الله تراءت لكِ {الم * أَحَسِبَ
النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ }العنكبوت2
إذا
ضاقت عليكِ الدنيا بما رحبت وصد عنكِ القريب والبعيد ، سلوت بـ
{قَالَ
إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ }يوسف86
ويخفف
وطأته بل ويزيله حتى ما يبقى منه شيء ، قول
أهل الجنة { وَقَالُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ
شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا
فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } سورة فاطر
يسرح
ذهنكِ إلى عهد الصحابة والنبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم معهم ، فتتصورين حالهم وكأنكِ تنظرين
إليهم ، {لَقَدْ
رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ }الفتح18
{وَالَّذِينَ
تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ
وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ }الحشر9
بل
يطير قلبكِ شوقاً لرؤيتهم ، حينها فتأملي
قوله تعالى {مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن
قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23
بل
طريق الدعوة والتعليم ، يسليه ويصبره ، {وَاصْبِرْ
نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
}الكهف28
إذا
ضجرتِ من أمرِ أولادكِ أو أهلكِ بالصلاة وأحسستِ بالملل
جاءتكِ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ
وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا }طه132
{وَكَانَ
يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }مريم55
فيتجدد
نشاطكِ ..
لعل
الحديث استعذبكِ فازددتِ شوقاً لقراءته ، بل ، ستزدادين
شوقاً لحفظه ، لكن قبل أن تذهبي لتقرئي وتحفظي تعطري بما قطفتِ لكِ من
زهيرات هي مواقف لقاءاتٍ وحافظات :
هذه
قصة لإحداهن ، وفي المركب ركب كثير
بحمد الله تعالى ، هي قصة لامرأة متزوجة ، ذات أولاد ، أرقها
اجتماع عائلتها على القيل والقال وغير
ذالك ، مما لا تسلم منه المجالس التي نحي عنها
الخير وأبعد ، فكرت كثيراً كيف تجمع شتات هذه القلوب !! وهل يحتار من يريد
الخير والهادي هو الله ، حينها قالت في
نفسها :
وأي
شيء أعظم من كتاب الله ، هذا الكتاب
الذي جمع الله به شتات العرب ، تآخى المهاجرون والأنصار والأوس والخزرج
بسببه ، كتاب يهدي ولا يضل ، يجمع ولا
يفرق ، حينها عزمت على جمعهن على مائدة
القرآن ، وأنعم بها من مائدة ، وفي أول اجتماع طرحت هذا الموضوع
على كبيرات الجمع ، فتحججن بأنهن
اجتمعن للمؤانسة والمحادثة ، فراجعت نفسي ، حينها عاهدتها
على عدم اليأس فكرت كثيراً ، فوجدت أن الأمهات مجبولات على حب من أحسن على
صغارهن ، فعرضت عليهن في الاجتماع
القادم افتتاح حلقةٍ لبناتهن الصغيرات ، رحبن بالفكرة
، ليأمنّ على الأقل إزعاجهن وعبثهن ولو لبعض الوقت ، جمعتهن مع إحضار بعض
الجوائز ، حينها دفعت الأمهات إلي من
هن أكبر سناً لتعليمهن القرآن ، وشيئاً فشيئا ، بدأ
يكبرُ هذا الدرس قمتُ برعايته بحمد الله تعالى ، كما ترعى الأم وليدها ،
رعيته طفلاً رضيعا ، فشاباً ، لكنه لن
يشيخ بإذن الله تعالى ، مضى على هذا الدرس ما يقرب
من ثمانية أعوام ، نجتمع عليه في الأسبوع مرة واحدة ، ولعلكم تتساءلون عن
ثمرته بعد ذلك ، فإليكم شيئاً من ذلك :
أربعون
طالبة يدرسن من خلال حلق أربع تم
تقسيمهن على مستويات ، حتى ليخيل للرائي والغريب عن ذلك الاجتماع
أن ذالك الاجتماع مدرسة لتحفيظ القرآن
بحمد الله تعالى ، لم ينته الأمر عند ذالك الحد
، بل كان من ثمار ذلك بحمد الله تعالى طالبتان حفظن من خلال هذه الحلقة أربعة
عشر جزءاً ، وثلاث طالبات حفظن تسعة
عشر جزءً ، والبقية الباقية ما بين ثلاثة أجزاء وأربعة
وخمسة ، وكفى ثمرة لهذا الدرس أن الأمهات أصبحن يترنمن
بجزء وجزأين في وقتٍ كُنَّ فيه لا يحسن
الفاتحة .
وما
زالت هذه الأخت بحمد الله تعالى
ترعى هذه النبتة بل وأضافت إلى ذالك درسٍ علمي لمدة نصف ساعة من كل
أسبوع في ذالك الاجتماع بأحد طلبة
العلم من محارمها ، ومازال المركب يسير تحفه عناية الله
ورعايته ، يسير بثقةٍ واطمئنان ، في وسط الأمواج العاتية ، في وقتٍ تعاني فيه
الأسر من الشتات والتفرق عن طريق
الاجتماعات ، لا عجب ، هو القرآن ، ومن غير القرآن يستطيع
أن يجمع تلك القلوب ويؤلف بينها !! فنحمد الله على ذالك ونسأله المزيد ..
14
أمهاتنا والقرآن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق