علوم واسرار وعجائب الأمصار Headline Animator

الأحد، 9 يونيو 2013

أمثلة على المعجزات الموجودة في خلق الكون


أمثلة على المعجزات الموجودة في خلق الكون
النظام الدقيق الحاصل نتيجة الانفجار الكبير
المقياس المعجز لسرعة تمدد الكون
المسافات الفاصلة بين الأجرام السماوية
التكون المعجز لعنصر الكربون
المقياس الحساس لقوة جاذبية الأرض
التوازن المعجز بين القوى الكونية المختلفة
الانسجام المعجز بين الإلكترون والبروتون
الاحتمال المحير للعقول


أمثلة على المعجزات الموجودة في خلق الكون

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا
الفرقان /2

النظام الدقيق الحاصل نتيجة الانفجار الكبير


إنّ الحقيقة المسلّم بها من قبل العلم الحديث هي ظهور الكون نتيجة انفجار عظيم في نقطة معينة وبعده أخذ في التوسع حتى أخذ شكله الحالي، وهذا الانفجار حدث قبل 15 مليار سنة تقريبا، و الفضاء الكوني و المجرات والكواكب والشمس وأرضنا، أو بمعنى آخر كل شيء يتألف منه الكون ظهر إلى الوجود بعد هذا الانفجار الكبير والذي يطلق عليه اسم BIG BANG واللغز المحير في هذا الموضوع يتلخص فـي:
كان من المفروض انتشار الذرات أو الدقائق التي تتألف منها في الفضاء الكوني بصورة اعتباطية بعد حصول الانفجار الكبير، ولكن الذي حدث هو العكس تماما، فقد تشكل كون ذو ترتيب وتنظيم على درجة عالية من الدقة، ويشبّه العلماء انتشار المادة في الكون عشوائيا لتتشكل المجرات والشموس النجوم والمجموعات التابعة لكل منها بكومة من القمح في صومعة ألقيت عليها قنبلة يدوية واستطاعت هذه القنبلة أن تضع القمح في بالات منتظمة الشكل مرصوفة وموضوعة فوق الرفوف وفق ترتيب محدد بل إنّ ترتيب أجزاء الكون أكثر دقة من ترتيب بالات القمح وبصورة غير اعتيادية، ويعبر البروفيسور فريد هوبل prof. Fred Hoyleعن حيرته أمام هذه الظاهرة بالرغم من كونه معارضا لنظرية الانفجار الكبير قائلا :
تؤمن هذه النظرية بأن الكون وجد بعد حدوث انفجار كبير جدا، ومن البديهي أن أي انفجار يؤدي إلى تشتيت المادة إلى أجزاء بصورة غير منتظمة إلا أن الانفجار الكبير أدى إلى حدوث عكس ذلك بصورة غامضة فقد أدى إلى تجمع المواد بعضها مع بعض لتتشكل منها المجرات 5 .
ولا يمكن تفسير حدوث انفجار كبير جدا لمادة الكون ونشوء نظام دقيق ذي ترتيب وتنسيق تام بين أجزائه وعلى درجة كبيرة من الدقة إلا بكلمة المعجزة. ويعبر آلان سانديج Alan Sandge الأخصائي في الفيزياء الفلكية عن هذه الحقيقة قائلا :
‘’أجد من الاستحالة أن ينشأ هذا النظام الدقيق اعتباطا، فكما أن وجود رب هو لغز محير بالنسبة إلي إلاّ أن التفسير الوحيد لمعجزاته هو أنه موجود بالفعل 6 .
والمعجزة الكبرى، كما يعبر عنها العلماء تتمثل في اتحاد الذرات مع بعضها نتيجة الانفجار الكبير لتأخذ أنسب صورة ممكنة مشكلة مع بعضها الكون المتميّز بالدّقة والانتظام والذي يتألف بدوره من ملايين المجرات و هذه المجرات تتشكل من ملايين النّجوم بالإضافة إلى التريليونات من الأجرام السّماوية، فالذي أبدع هذه المعجزات هو الله القادر على كل شيء .
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا الفرقان / 2 المقياس المعجز لسرعة تمدد الكون
إن سرعة تمدد الكون لها مقدار ثابت لا تحيد عنه ومناسب للشكل الحالي الذي بلغه الكون، فلو كانت هذه السرعة أقل قليلا من هذا المقدار لما استطاعت المجموعات الشمسية أن تتشكل بل لرجعت كسابق عهدها أي مادة منكمشة، ولو كانت هذه السّرعة أكبر قليلا لما استطاعت المادة أن تتوحد لتشكل المجرات والنجوم ولاندثرت وتلاشت في الفضاء الكوني، وفي كلا الحالتين تصبح استحالة وجود الحياة ومن ضمنها حياة الإنسان أمرا واردا، إلا أن الحالتين لم تحدثا طبعا وتمدد الكون بسرعة معينة اعتمادا على المقياس الدقيق آخذا شكله الحالي، ولكن ما مدى دقة هذا المقياس ؟
لقد قام البروفيسور بول ديفيس أستاذ الفيزياء الرياضية في جامعة اديلياد الأسترالية بإجراء أبحاث عديدة للتوصل إلى إجابة عن هذا السؤال وانتهى إلى نتيجة مدهشة وهي أنّ أي تغير في سرعة تمدد الكون مهما كان ضئيلا حتى لو كان بنسبة 1 إلى مليار مليار أو 10/1 قوة 18 لما استطاع الكون أن يظهر إلى الوجود، ويمكننا أن نكتب النسبة المئوية السابقة كما يلي0.000000000000000001 أي أن مجرد حدوث تغيير ولو بهذا المقدار الضئيل جدا جدا يعني عدم إمكانية ظهور الكون. ويعلق البروفيسور على هذه النتيجة قائلا:
‘’إن الحسابات تدل على أنّ الكون يتمدد بسرعة دقيقة للغاية، ولو أبطأ الكون في التمدد قليلا لحدث الانكماش نتيجة قوة الجذب، ولو أسرع قليلا لتشتّتت المادة واندثرت في الفضاء الكوني، وإن التوازن الحاصل بين هذين الاحتمالين الخطيرين يعكس لنا مدى الدقة والحساسية في هذه السرعة، فلو تغيّرت سرعة تمدد الكون بعد الانفجار و لو بمقدار 10/1 قوة 18 لكان ذلك كافيا لإحداث خلل في التوازن، لذلك فإن سرعة تمدد الكون محددة بشكل دقيق إلى درجة مذهلة، ونتيجة لهذه الحقيقة لا يمكن اعتبار الـBIG BANG انفجارا عاديا بل انفجارا منظما ومحسوبا بدقة من كافة النواحي 7.
وتناولت مجلة ‘’العلم’’ SCIENCE المشهورة في مقال لها هذا التوازن الدقيق الذي صاحب بداية نشأة الكون كما يلي:
لو كانت كثافة الكون أكثر قليلا لأصبحت الجسيمات الذرية 1  تجذب بعضها بعضا وبالتالي لا يستطيع الكون أن يتمدد ويرجع منكمشا إلى نقطته الأصلية وفق مبادئ نظرية ‘’النسبيّة العامة’’ لانشتاين. ولو كانت هذه الكثافة أقل قليلا في بداية تشكل الكون لتمدد بسرعة رهيبة ولما استطاعت الدقائق الذرية أن تجذب بعضها بعضا و لانعدمت امكانية نشوء النجوم و المجرات، ومن الطبيعي لما وجدنا نحن على وجه الحياة ! ووفقا للحسابات التي أجريت في هذا المجال فإن الفرق بين كثافة الكون في البداية وكثافته الحرجة أقل من 01^0 مقسوم على كوادريليون ٭٭ ، أي أن هذا الفرق يشبه إيقاف قلم على رأسه المدبب كي يظل واقفا لمدة مليار سنة أو أكثر، إضافة إلى ذلك كلما تمدد الكون ازداد التوازن دقة 8.
أما ستيفين هاوكينج Stephen Hawking الذي اعتبر مدافعا عن نظرية المصادفة في نشوء الكون إلا أنه تحدث في كتابه
‘’ التاريخ القصير للزمن ‘’ عن التوازن الدقيق في سرعة تمدد الكون قائلا: إنّ سرعة تمدد الكون تتسم بالحساسية الفائقة والدقة المتناهية حتى أن هذه السّرعة لو كانت أقل قليلا عند الثانية الأولى من الانفجار الكبير بمقدار 1 إلى مليون مليار لتعرض الكون إلى انكماش واستحال وصوله إلى صورته الحالية 9.
أما آلان جوث Alan Guth الذي يتبنى نظرية ‘’الكون المنتفخ Inflationary universe model’’ فقد تناول مسألة الانفجار الكبير في السنوات السابقة وأجرى حسابات عن التوازن الدقيق في سرعة تمدده وقد توصل إلى نتائج مذهلة للغاية.إذ توصل إلى أن الدقة في سرعة تمدد الكون تصل إلى نسبة 1 إلى 10قوة 55    10.
ولكن ما الذي يظهره لنا هذا التوازن الدقيق المذهل؟ بالطبع لا يمكن تفسير هذه الدقة الفائقة بكلمة المصادفة ويثبت لنا وجود تصميم خارق ومدهش، وبالرّغم من كون بـول ديفيس متبنيا للمادية إلاّ أنه يعترف بهذه الحقيقة قائلا:
‘’من الصعوبة أن نعارض فكرة وجود الكون بشكله الحالي بواسطة قوة عقلية دقيقة خصوصا بهذه الخاصية التي يتميز بها من ناحية الدقة الفائقة تحت أي تغيير عددي مهما بدا ضئيلا وطفيفا ... وإنّ الموازين العددية الحساسة التي تتصف بها الطبيعة في كافة أركانها تعتبر دليلا قويا على أن ثمة تصميم خارق لهذا الوجود 11.
وهكذا يتضح لنا مدى تأثير هذه الأدلة العلمية القاطعة في إقناع بول ديفيس المادي الفكر على أن هذا الكون لابد أن يكون مستندا إلى تخطيط وتصميم خارقين أو بالأحرى أن هناك خالقا له.


المسافات الفاصلة بين الأجرام السماوية


كما هو معلوم فإنّ كوكب الأرض هو جزء من المجموعة الشمسية، وهذه المجموعة تتألف من تسعة كواكب سيارة تدور في فلك حول الشمس، و تعتبر الشمس نجما متوسط الحجم مقارنة بالنجوم الموجودة في الكون، وهذه الكواكب تتبعها أقمار يبلغ عددها أربعة وخمسون قمرا، ويعتبر كوكبنا الأرض الثالث من ناحية بعده عن الشمس. ولنتأمل أولا حجم المجموعة الشّمسية التي ننتمي إليها، فقطر الشمس يبلغ 102 مرة بقدر قطر الأرض، وبتعبير آخر لو قمنا بتصغير الأرض التي يبلغ قطرها12200 كم حتى تبلغ حجم الكرة الزجاجية التي يلعب بها الأطفال عندئذ تكون الشمس بحجم ضعفي كرة القدم، ولكن النقطة الغريبة التي تلفت الانتباه هي المسافة الفاصلة بينهما فلو صغرناها كما صغرنا الحجم لكل منهما عندئذ تصبح المسافة الفاصلة 280 مترا أما الكواكب البعيدة فتصبح على بعد كيلومترات عديدة، ولكن المجموعة الشّمسية و بالرغم من حجمها الهائل فإنها تتواضع أمام حجم مجرة درب التبانة التي تعتبر جزءا منها، لأن هذه المجرة تحتوي على نجوم { شموس} كثيرة ومعظمها أكبر حجما من شمسنا ويربو عددها على 250بليون نجم، وأقرب هذه النجوم إلينا نجم يدعى ‘’ألفا سنتوري’’، ولتوضيح مدى قربه من مجموعتنا نرجع إلى المثال السابق الذي صغرنا فيه الأرض إلى حجم كرة زجاجية صغيرة والشمس تبعد عنها 280مترا عندئذ يكون النجم ‘’ الفاسنتوري’’ على بعد يقدّر بـ 78 ألف كيلومتر من الشمس !
ودعونا نصغر المثال السابق بنسبة أكبر،كأن تصبح الأرض بقدر ذرة غبار تكاد لا ترى بالعين المجردة، عندئذ تصبح الشمس بحجم ثمرة الجوز وتبعد عن الأرض بمسافة 3 أمتار، و نجم الفاسنتوري سيكون في هذه الحالة على بعد 640كم من الشمس، إذن فمجرة درب التبانة تحتوي على 250 بليون نجم تفصل بينهما هذه المسافات الشاسعة جدا، وتقع شمسنا على أحد أطراف هذه المجرة ذات الشكل الحلزوني. والأغرب من ذلك أن حجم هذه المجرة يعتبر صغيرا جدا بالمقارنة مع حجم الكون، فالكون يحتوي على مجرات أخرى يقدر عددها بـ200 بليون مجرة !... أما المسافات الفاصلة بين هذه المجرات فأكبر من المسافة بين الشمس والفاسنتوري بملايين المرات.
والمسافات الفاصلة بين الأجرام السماوية وطريقة انتشارها في الكون تعتبر ملائمة ولازمة لاستمرار الحياة على الأرض فهذه المسافات الفاصلة مرتبة وموجودة بطريقة تتلاءم مع القوى المؤثرة وبالتالي تشكل عاملا ضروريا للحياة على كوكب الأرض، وكذلك تعتبر هذه المسافات الفاصلة عاملا مؤثرا على باقي الكواكب وأفلاكها تأثيرا مباشرا، ولو كانت هذه المسافات أصغر قليلا لأثرت قوى الجذب الهائلة الموجودة بين كتل النجوم المختلفة وبالتالي أدى ذلك إلى إحداث خلخلة في أفلاك الكواكب، وهذه الخلخلة كانت ستؤدي حتما إلى تفاوت كبير في الحرارة، ولو كانت هذه المسافات أكبر قليلا لتشتتت المعادن المنطلقة من النجوم العملاقة ولما نشأت كواكب مثل الأرض. وتعتبر المسافات الكونية الحالية مثالية وملائمة لنشوء مجموعات شمسية كالتي ننتمي إليها .
ويقول البروفيسور مايكل دينتون Michael Denton الأخصائي في الكيمياء الحيوية في كتابه ‘’مصير الطبيعة Nature’s Destiny:
إن المسافات الفاصلة بين النجوم العملاقة بل كافة النجوم تعتبر قضية حساسة جدا، فهذه المسافات تقدر كمتوسط لها بـ 30 مليون ميل بين نجوم مجرتنا، ولو تغيرت هذه المسافات بأن تكون أقل قليلا لأصبحت مدارات الكواكب غير مستقرة، ولو كانت أكبر قليلا لكانت المادة المنطلقة من قبل النجوم المنفجرة  سوبر نوفا متشتتة تشتتا كبيرا للغاية لدرجة ينعدم معه تشكل مجموعات شمسية مثل التي ننتمي إليها. فإن كنا نريد كونا صالحا وملائما للحياة لكان من الضروري استمرار النجوم المنفجرة في الانفجارعلى وتيرة معينة. علما أنّ هذه الانفجارات تعتبر محددة للمسافات المعينة الفاصلة بين النجوم، وإن هذه المسافات البعيدة والمحددة موجودة فعليا وتمارس تأثيرها المباشر 12.
أما البروفيسور جورج كرنشتاين prof. George Greenstein فيتحدث عن هذه المسافات الشاسعة في كتابه ‘’الكون التكافلي The Symbiotic Universe’’ قائلا:
إذا أصبحت النجوم أقرب مما هي عليه الآن فلا يحدث إلا فرق طفيف في المفاهيم الفيزيائية الفلكية، فقد لا يحدث أي تغيير في العمليات الفيزيائية الجارية في النجوم وفي الأجرام السماوية الأخرى، ولو نُظر إلى مجرتنا من نقطة بعيدة عنها فلا يمكن تمييز أي تغيير فيها عدا أن عدد النجوم التي نراها ونحن مستلقين على الأعشاب يصبح أكثر. عفوا أود أن أضيف أن هناك فرقا آخر يحدث وهو استحالة وجود إنسان {مثلي}يلقي نظرة على هذه النجوم فهذه المسافات الشاسعة والهائلة الموجودة في الفضاء شرط أساسي لوجودنا 13.
ويوضح كرينشتاين سبب هذا بأن الفراغات والمسافات البينية الموجودة في الفضاء تعتبر عاملا رئيسيا في تأمين المتغيرات الفيزيائية بشكل ملائم لحياة الإنسان. ومن ناحية أخرى فإن هذه الفراغات البينية الواسعة تحول دون ارتطام أرضنا بالأجرام السماوية العملاقة السابحة في الفضاء. وملخص القول أن طريقة انتشار وتوزيع الأجرام السماوية في الكون تتلاءم في أبعادها ومواضعها مع حياة الإنسان و استمراره وأن هذه الفراغات لم تأت اعتباطا أو بصورة عشوائية بل تعتبر نتيجة لعملية خلق من أجل غاية معينة، ويقول الله عز وجل في آيات عديدة بأن السماوات والأرض خلقتا من أجل حكمة معينة:
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ  الحجر/85
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ  الدخان /38- 39


التكون المعجز لعنصر الكربون


يعتبر الكربون أساس الحياة، ويتكون هذا العنصر الهام في مراكز بعض النجوم بعد سلسلة من التفاعلات الكيمائية الخاصة والتي يعتبر حدوثها معجزة في حدّ ذاتها، ولو لم تحدث هذه التفاعلات الإعجازية لما وجد عنصر اسمه كربون ولما وجدت الحياة أصلا، ونقول عن هذه التفاعلات بأنها إعجازية لأنها لا تحدث إلا في شروط وظروف خاصة وغير اعتيادية وخارج المألوف وخارج الاحتمالات، ويجب توفر كل تلك الشروط معا وفي آن واحد. ودعونا نتفحص هذا الحدث الخارق.
يتكون عنصر الكربون في نوى النجوم عبر مرحلتين من التفاعلات المختلفة، فالمرحلة الأولى تتمثل في اتحاد ذرتي هليوم لينتج من هذا الاتحاد عنصر انتقالي تحمل نواة ذرته 4 بروتونات و4نيوتورونات ويدعى هذا العنصر بـ’’بريليوم’’. وعندما تتحد ذرة هليوم ثالثة بذرة البريليوم ينتج عنصر الكربون الذي تحمل نواة ذرته 6بروتونات و6نيوترونات. والبريليوم الناتج من المرحلة الأولى يختلف عن البريليوم الموجود كعنصر كيميائي في كوكبنا، فلو فحصنا خواص البريليوم الموجود على الأرض في الجدول الدّوري لوجدنا أن ذرته تحمل نيوترونا زائدا، أما البريليوم المتكون داخل النجوم الحمراء العملاقة فيختلف عن مثيله الأرضي، ويدعى حسب المصطلح الكيمائي بـ’’النّظير’’، أما النقطة المهمة التي حيرت علماء الفيزياء لسنوات طوال فهي عدم استقرار هذا النظير المتكون داخل النجوم الحمراء العملاقة، وعدم الاستقرار هذا كبير لدرجة أنه ينحل خلال 1 x 10قوة -15من -الثانية أي بعد -0,000000000000001 ثانية فقط بعد تكونه- !
ولكن كيف يحدث تحول مثل هذا العنصر القلق جدا إلى عنصر الكربون ؟ إنّ العامل الرئيسي لتحويل هذا النظير إلى الكربون هو ذرة الهليوم، وهل أن قدوم هذه الذرة محض مصادفة؟ بالطبع من المستحيل، وهل من الممكن أن تحدث عدة مصادفات مثل اصطدام حجري بناء ببعضهما البعض وقبل انفصالهما بفترة قصيرة تقدر ب 1 x 10قوة -15ثانية يأتي حجر ثالث ليضاف إليهما و يتشكل بناء جديد؟ بل إن الأمر أكثر استحالة من هذا التشبيه، ويوضح بول ديفيس هذا الأمر المعجز كما يأتي:
إن عنصر الكربون الذي يعتبر الحجر الأساس للحياة على كوكبنا يوجد بكميات كبيرة في الكون وإن وجوده هذا يعتبر مصادفة محظوظة. ويتكون الكربون في مراكز النجوم العملاقة نتيجة اتحاد متسلسل لثلاث ذرات من الهليوم في فترة قصيرة وحساسة جدا. ولكون اصطدام نوى هذه الذرات المتماثلة أمرا نادرا للغاية ولأجل أن يكون التفاعل ذا منتوج وفير يجب توفر الظرف المناسب و الذي لا يتحقق إلا بمستويات معينة للطاقة تسمى بالمستوى الرنيني Resonance. وعند هذا المستوى يكتسب التفاعل تعجيلا بسبب خواصه الكوانتومية  ٭. والمصادفة السعيدة تتمثل في كون ذرة الهليوم تتميز بهذا المستوى الرنيني المعين من الطاقة والملائم لهذا التفاعل ثم إنّ مستوى الطاقة لذرة الهليوم ملائم تماما لهذا التفاعل كأنما خلق لهذا الغرض 14.
إنّ هذه الحقائق المذهلة التي لا يمكن تفسيرها بالمصادفات ابدا جعلت من عالم مثل بول ديفيس والذي يؤمن بالمادية إيمانا أعمى يقوم بتفسيرها باستخدام تعبير مثل الحظ الحسن أو المصادفة المحظوظة علما أن هذه الحقائق لا يمكن أن تكون مصادفة بأي حال من الأحوال. وتبرز المعجزة بكافة أبعادها أمام هذا العالم ورآها بأم عينيه وشرحها للعالم ولكنه تمسك برأيه السّمج مفسرا إياها بتعابير لا منطقية مثل الحظ أو المصادفات من أجل إنكار الخلق.
فهذه ظاهرة تحدث في النجوم المسماة ب ‘’ العمالقة الحمر’’ وهي معجزة بالطبع وتدعى كيميائيا بـ: ‘’الرنين المزدوج’’، وتتمثل في اتحاد ذرتي الهليوم باستخدام رنينهما ليتكون رنين مزدوج ويضاف إليه خلال 1x10 قوة -15 ثانية ذرة ثالثة من الهليوم ليتشكل رنين آخر ينتج عنه الكربون، وهذه الظاهرة لا يمكن أن تحدث بتاتا تحت الظروف العادية. ويشرح لنا جورج كريتشتاين الطبيعة فائقة القدرة التي يمتلكها الرنين المزدوج قائلا:
تحدث هذه العملية متضمنة ثلاث مواد مختلفة الهليوم، البريليوم، الكربون ورنينين مختلفين عن بعضهما البعض اختلافا كبيرا، ومن الصعوبة بمكان فهم كيفية اتساق عمل نوى هذه الذرات المختلفة ...وإن التفاعلات النووية الأخرى لا تحدث بنفس السهولة التي تحدث بها التفاعلات التي ذكرناها سابقا وبنفس السّلسلة من المصادفات الحسنة النادرة ...ويمكن لنا تشبيه العملية كلها باكتشاف عدة أنواع من الرنين المعقد بين كل من الدراجة والسيارة والشاحنة.فكيف يمكن وجود أي تناغم بين هذه الأجسام المختلفة عن بعضها البعض كل هذا الإختلاف؟ إن حياتنا ووجودنا ووجود كل نوع من أنواع الحياة في الكون مبني على وجود هذا التنسيق والانسجام والتناغم في العمل ذي الطابع الخارق والمدهش 15.
و مثلما يتضح فإن التفسير الذي ساقه عالم مادّي مثل كرينشتاين والذي تضمن عبارة’’ سلسلة من المصادفات المحظوظة وغير العادية’’، بالرغم من تجلّي معجزة بكافة أبعادها أمامه يعتبر تفسيرا لا يمت إلى البحث العلمي بأية صلة، فكما أن تكون الكربون داخل النجوم العملاقة يشبه وجود رنين مشترك عميق ومعقد جدا بين الدّراجة والسيارة والشاحنة فإن حصوله تلقائيا أو مصادفة وفق تصور كرينشتاين أمر مستحيل للغاية، ولكن التزامه بالفكر المادي جعله يتجنب استعمال تعبير ‘’معجزة الخلق’’.
وفي السنوات اللاحقة تم اكتشاف تكون باقي العناصر مثل الأكسيجين نتيجة وجود أمثال هذه الرنينات الخارقة للعادة، والعالم فريد هويل هو الذي اكتشف هذه الحقيقة وذكرها في كتابه ‘’المجرات والنويات والكوازارات ’’Galaxies,Nuclei and Quasars مؤكّدا انعدام احتمال المصادفة في هذه العملية لكونها مخططة بدقة وعناية فائقتين، وبالرغم من كونه مادي الفكر متزمتا في فكره إلاّ أنه أذعن في النهاية على أن ‘’ الرنين المزدوج ‘’ الذي اكتشفه هو عملية مخططة بعناية فائقة 16.
ويذكر في مقال آخر له:
لو أردتم إنتاج كربون أو أكسيجين بواسطة الاندماج النووي الحاصل في النجوم فعليكم تهيئة مستويين أو خطين إنتاجيين، والمقاييس الواجب عملها هي المقاييس والمعايير نفسها الموجودة حاليا في النجوم.
وبعد تمحيص هذه الحقائق عقليا نتوصل إلى أن هنالك قوة عقلية خارقة متمكنة من الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء ولا مكان للحديث عن قوى غير عاقلة لتفسير ما يحدث في الطبيعة، وأن الأرقام التي تم التوصل إليها نتيجة الأبحاث والقياسات أدت إلى مثول حقائق مذهلة للغاية ساقتني إلى قبول هذا التفسير دون نقاش 17.
تأثر هوبل بهذه المعجزة تأثرا ملحوظا جعله ينتقد عدم إقتناع العلماء الآخرين بهذه المعجزة قائلا :
إنّ أيّ عالم يستقصي هذه الظواهر الطبيعية لا يمكن له أن يحيد عن النتيجة التالية: لو أخذت النتائج الحاصلة في مراكز النجوم بعين الاعتبار فلا يمكن إلا القول بأنّ قوانين الفيزياء النووية وضعت بشكل مقصود و هي ترمي إلى هدف معين 18.


المقياس الحساس لقوة جاذبية الأرض


تستند قوانين الفيزياء في الكون إلى أربعة مفاهيم للقوّة وهي ‘’ قوة الجاذبية’’ و’’ القوة الكهرومغناطيسية ‘’ و ‘’ القوّة النوويّة العظمى’’ و ‘’ القوة النووية الصغرى’’ أو ‘’ القوة الضعيفة’’ والتّناسب والانتظام الموجود بين هذه القوى الأربع هو الذي حدّد شكل الكون الحالي ووجوده ومدى ملاءمته لوجود الحياة فيه. وأهم هذه القوى المؤثرة على الكون تأثيرا مباشرا هي قوة الجاذبية، وأثبت نيوتن أن هذه القوة لا تؤثّر على ثمار التفاح في أشجارها أثناء سقوطها فقط بل إنّ هذه القوّة هي سبب حركة الكواكب في مدارات معينة لا تحيد عنها، أمّا إينشتاين فقد تحدث عن هذه القوة بنظرة أعمق متناولا كيفية انهيار النجوم العملاقة وتحولها إلى ثقوب سوداء. وفي الحقيقة تعتبر هذه القوة من القوى الرئيسية المؤثرة في الكون، و هي التي تسيطر على حركة تمدد الكون، ولهذه القوة قيمة ثابتة مناسبة لتشكل الكون الذي نعيش فيه.
ولو كانت هذه القوة أكبر مما عليه الآن لتشكلت النجوم الحالية خلال فترة أقل ولأصبحت أصغر نجمة في كوننا أكبر بـ 1,4 مرة من شمسنا، وتصبح هذه النجوم مشعة إلى درجة غير مستقرة مؤدية إلى استحالة توفر الظروف المناسبة لنشأة الحياة على الكواكب التابعة لها، والحياة لا تنشأ إلاّ بوجود نجوم بحجم شمسنا الحالية.
كذلك لو كانت قوة الجاذبية أكبر مما هي الآن لتحولت النجوم العملاقة الموجودة في الكون إلى ثقوب سوداء ضخمة ولأصبحت الجاذبية للكواكب الصغيرة كبيرة إلى درجة أن أيّ جسم أكبر من الحشرة لا يستطيع الوقوف على قدميه بسهولة.
ومن ناحية أخرى لو كانت هذه القوة أقل مما هي عليه الآن لأصبحت النجوم في الكون صغيرة الحجم لا يتجاوز حجم أكبرها0,8من حجم شمسنا الحالية، ومهما كان سطوع وإشعاع هذه النجوم كافيا لنشأة الحياة على الكواكب التابعة لها إلاّ أنّ المعادن الثقيلة واللاّزمة للحياة لم تكن لتتكون في الفضاء السحيق، لأن هذه المعادن الثقيلة ومنها الحديد لا تتشكل إلا في مراكز النجوم العملاقة. وهذه النجوم العملاقة هي التي تستطيع فقط صنع عنصر البريليوم والعناصر الثقيلة الأخرى وتنشرها في أرجاء الفضاء. وهذه العناصر ضرورية لتشكيل الكواكب وتشكيل وإنشاء الحياة فيها
ويتّضح مما تقدم أنّ أيّ تغيير ولو كان طفيفا في القيمة الثابتة لقوة الجاذبية تؤثر سلبا على الحياة وبالتالي تحول دون نشأتها ،ولو كان هذا التغيير كبيرا لما كان هناك شيء اسمه الكون، ولو كانت هناك أي زيادة في هذه القوة لانكمش الكون على نفسه قبل أن يبدأ بالتوسع ولو قلت هذه القوة بشكل كبير لما تشكل في الكون أي نجم أو أي مجرة.
أما ونحن نعيش على كوكبنا بسلام فهذا يعني عدم تحقق أي من هذه الاحتمالات المخيفة، فكل شيء في الكون خلق وفق ميزان دقيق ثابت، فالله فاطر السماوات والأرض والقادر على كل شيء هو الذي خلق الكون بهذه الصورة المتألفة من سلسلة من المعجزات المرتبة والمتوازنة،
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ
 الملك/2-4


التوازن المعجز بين القوى الكونية المختلفة


عند تناولنا القوى الأخرى بعد قوة الجاذبية والتي تشكل بمجموعها القوى المؤثرة على القوانين الكونية نجد أنّ هناك توازنا دقيقا فيما بينها وتحمل كل منها قيمة عددية دقيقة جدّا وإلى أبعد الحدود .

قوة الجذب الكهرومغناطيسية

كما نعلم فإنّ كلّ شيء حيّ أو غير حي يتألف من مواد بنائية أي من لبنات تدعى بـ’’الذرات’’، وتتألّف من نواة حاوية على بروتونات ونيوترونات ومن إلكترونات تدور حول النواة ضمن مدارات معينة، وعدد البروتونات الموجودة في النواة هو الذي يميز نوع الذرة، فعلى سبيل المثال لو كان عدد البروتون مساويا لـ 1 فإن هذه الذرة تدعى بالهيدروجين ولو كان مساويا لـ2 فتدعى الذرة بالهليوم ولو كان مساويا لـ26 فإن الذرة تدعى بالحديد، ونفس الشيء يقال بالنسبة إليباقي العناصر الكيمائية. والبروتون الموجود في نواة الذرة يكون موجب الشحنة أمّا الإلكترونات السابحة حول النواة فشحنتها سالبة، وينشأ من هذا التضاد في الشحنة الكهربائية تجاذب بين الجسمين يؤدي إلى دوران الإلكترون حول النواة في مدار معين، وقوة التجاذب التي تنشأ من اختلاف الشحنة الخاصة بالبروتون عن الشحنة الخاصة بالإلكترون تدعى بقوة الجذب الكهرومغناطيسية، والمدارات التي تدور فيها الإلكترونات هي التي تحدد نوعية الأواصر التي يستطيع العنصر إنشاءها ونوعية الجزيئات الكيمائيّة التي تنتج عنها. فلو كانت هذه القوة التي تعتبر إحدى أربع قوى مؤثرة في الكون أقل مما هي عليه لأصبح هناك عدد قليل من الإلكترونات يستطيع الدوران حول النواة في مدارات معينة، أمّا لو كانت أكبر مما هي عليه لما استطاعت نواة الذرة تشكيل أواصر أو إشراك غيرها من الذّرات في المدارات الموجودة حولها. و في كلا الحالتين فإنّ هذا يعني استحالة وجود الجزيئات اللاّزمة والضروريّة لنشأة الحياة.

القوة النووية العظمى

وهي عبارة عن القوة التي تمسك البروتينات والنيوترونات في نواة الذرة، وكما ذكرنا في السّطور السابقة فإنّ البروتينات ذات شحنات موجية، وحسب قوانين الجذب الكهربائي فإن الشحنات المختلفة تتجاذب والمتشابهة تتنافر، أي أنّ البروتون والإلكترون يجذب أحدهما الآخر،
أما البروتون فيتنافر مع بروتون آخر، والإلكترون يتنافر مع الإلكترون الآخر، ومعظم نوى ذرات العناصر تتميز بوجود بروتونات عديدة ملتصقة ببعضها البعض، والطبيعي أن تتنافر هذه البروتونات مع بعضها وأن تبتعد عن بعضها بمسافات بعيدة وبتأثير قوة التنافر الكبيرة، ولكنّ الحاصل غير ذلك تماما فإن هذه البروتونات موجودة مع بعضها في النواة وبصورة مستقرة لأنّ هناك قوة أكبر من قوة التنافر الكهرومغناطيسية بكثير وتستطيع إمساك كل البروتونات متجاورة مع بعضها وتدعى بالقوة النووية العظمى ،وهذه القوة تعتبر الأعظم من بين القوى الأربع المؤثرة في الكون ، ويمكن مشاهدتها عند انفجار القنابل الذرية والهيدروجينية، وتعتبر مصدرا للطاقة التي تتولد في الشمس منذ 4^5 مليار سنة ومازالت تولد هذه الطاقة إلى 5 مليارات سنة قادمة وفق الحسابات التي أجريت، والقيمة العددية لهذه القوة العظيمة تعتبر إحدى القيم العددية المهمة في الكون، ولو حدث أي تغيير زيادة أو نقصانا ومهما كان طفيفا في هذه القيمة العددية لما نشأ عنصر اسمه الكربون الذي يعتبر المادة الأساسية لنشأة الحياة، ولو حدث تغيير ملموس عندئذ تتغير كافة القوانين الفيزيائية ويحدث اختلال في التوازن الكوني ممّا ينتج عنه فوضى واضطراب في النظام الكوني الحالي.
هناك تناسب حساس جدا بين القوة النووية العظمى وقوة الجذب الكهرومغناطيسية وهذا التناسب الحساس هو الذي يجعل نواة الذرة متماسكة ومستقرة، ولو كانت القوة النووية أصغر قليلا مما هي عليه لما استطاعت البروتينات أن تتجاور في النواة ولتنافرت مبتعدة عن بعضها البعض بمسافات بعيدة حسب القوانين الكهرومغناطيسية، ولاستحال تكون ذرة تحمل أكثر من بروتون في نواتها، عندئذ يصبح الهيدروجين هو العنصر السائد في الكون لا محالة .
ولو كانت القوة النووية أكبر قليلا مما هي عليه بالنسبة لقوة الجذب الكهربائي لاستحال تكون ذرة تحمل بروتونا واحدا أي يستحيل تكون الهيدروجين في الكون لأن البروتونات تجبر في هذه الحالة على التجاور مع بعضها البعض في نوى الذرات لكبر قوة الجذب النووية أي يستحيل تكون ذرات ذات بروتون واحد. أي يستحيل تكون الهيدروجين في الكون. وبتعبير أوضح لو لم تكن القوى المؤثرة في الكون تمتلك قيمها العددية الحالية بالضبط لما تكونت النجوم والنجوم العملاقة والكواكب والذرات ولما وجدت الحياة أصلا 19.


القوة النووية الصغرى


تعتبر هذه القوة من القوى المؤثرة في الكون وتمتلك قيمة عددية ثابتة ودقيقة جدا، وهذه القوة موجودة في بعض جسيمات الذرة وتسبب النشاط الإشعاعي للمادة ويمكن لنا أن نعطي مثالا على هذا النشاط الإشعاعي بتحلل النيوترون الموجود في نواة الذرة إلى بروتون و إلكترون ونيوترون مضاد .
ويتضح لنا من خلال هذا المثال أن النيوترون الموجود في نواة الذرة ما هو إلا جسيم ذري ناتج من اتحاد بروتون و إلكترون ونيوترون مضاد، والقوة النووية الصغرى هي القوة التي تؤدي إلى انحلال النيوترون إلى الجسيمات الثلاثة التي تتكون منها، ولكنّ هذه القوة موجودة على شكل حساس وموزون لدرجة أن هناك توازنا في هذا النّشاط الإشعاعي. و لو كانت قيمة هذه القوة أكبر قليلا مما هي عليه لتحلّلت النيوترونات في الكون وندر وجودها فيه، أي لأصبح الهليوم نادرا في الكون منذ الانفجار العظيم لأن هذا العنصر يحمل نيوترونين في نواة ذرته، ويمكن القول أنه كان سينعدم وجوده بالمرة. والمعروف عن الهليوم أنه أخف العناصر في الوجود بعد الهيدروجين، وإذا انعدم الهليوم في الكون ينعدم تكون العناصر الثقيلة في جوف النجوم في أثناء التفاعلات داخل مراكز النجوم نتيجة التفاعلات النووية التي تطرأ على نوى ذرات الهيليوم، وهذا يعني أن الهليوم يعتبر مادة خام لإنتاج العناصر الأخرى أي أن انعدام الهليوم يؤدي إلى انعدام العناصر اللاّزمة لنشأة الحياة و استمراريتها.
ومن ناحية أخرى لو كانت قيمة القوة النووية الصغرى أصغر قليلا مما هي عليه لتحوّلت ذرّات الهيدروجين المصاحبة للانفجار العظيم إلى ذرات الهليوم ولزادت كميات العناصر الثقيلة في مراكز النجوم زيادة غير عاديّة، وهذه الزيادة تؤدي حتما إلى استحالة نشوء الحياة.
وهناك عامل آخر يؤثر على مدى حساسية قيمة هذه القوة وهذا العامل يتمثل في تأثير هذه القوة على جُسيم ذرّي يدعى بـ’’النيوترينو’’، فالنيوترينوات هي الجسيمات التي تلعب دورا كبيرا في دفق العناصر الثقيلة و اللاّزمة للحياة و المتكونة في مراكز النجوم العملاقة إلى الفضاء السحيق.
وتعتبر القوة النووية الصغرى هي القوة الوحيدة التي تؤثر على جسيمات النيوترينو في الكون. وأيضا لو كانت هذه القوة أصغر قليلا مما هي عليه لأصبحت جسيمات النيوترينوات أكثر حرية في الحركة دون أن تتأثر بقوة جذب أي شيء، وهذا يعني أن هذه الجسيمات تستطيع أن تهرب من قوة جذب النّجوم العملاقة دون أن تتأثر بالطبقات الخارجية لهذه النجوم وبالتالي سيكون دفق العناصر الثقيلة إلى الفضاء مستحيلا. ولو كانت هذه القوة أكبر مما هي عليه لبقيت في مراكز النجوم قابعة فيه دون حراك وهذا يؤدي إلى صعوبة إطلاق العناصر الثقيلة المتكونة إلى الفضاء.
ويوضح بول ديفيس أن قوانين الفيزياء الأساسية والمؤثرة في الكون تحمل قيما معينة ومحددة لتناسب وتلائم حياة الإنسان، و إذا حدث أي تغيير طفيف في هذه القيم يتغير وجه الكون الحالي تغيرا ملحوظا، و يواصل قائلا:
ولما وجدنا نحن كبشر لنشاهد هذا الكون ... وكلّما استمر الإنسان في أبحاثه الفضائية اكتشف أموراً مثيرة لا يمكن تصديقها بالعقل الإنساني، وآخر ما توصل إليه الإنسان بشأن الانفجار العظيم يثبت أن الكون يتمدد بشكل دقيق وموزون لدرجة مثيرة للحيرة والإعجاب 20.
وتعتبر الأشعة الكونية دليلا قوياّ على حصول الانـفجار العظيم، وأوّل من اكتشف هذه الأشعة هما روبرت ويلسون وآرنوبنزياس الحاصلان على جائزة نوبل سنة 1965 ويقول آرنو بنزياس موضّحا هذا التخطيط والتصميم الخارقين للكون:
إنّ علم الفلك يقودنا إلى أمور غير عادية، إلى كون خلق من العدم، الكون الذي يحتوي على موازين دقيقة للغاية تكفي سببا لنشأة الحياة، أي أنّ الكون وجد بهذه الكيفية لتحقيق هذه الغاية 21.
ويقول البروفيسور روبرت جاسترو أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة كولومبيا ‘’إنّ الكون بالنسبة إلى الفيزيائيين والفلكيين هو المكان المناسب لعيش الإنسان والمحدد بمجموعة من القيم الرّياضية تحديدا ضيقا للغاية، وهذا التعريف يدعى بـ’’{ المبدأ الإنساني} وتعتبر هذه النتيجة برأيي من أكثر النتائج التي توصل إليها العلم الحديث غموضا ‘’ 22.
وكل ما أوضحناه في السّطور السابقة بشأن القوى الكونية المؤثرة من ناحية ثبات قيمها وتناسبها وتوازنها مع بعضها البعض بهذه الدّقة المتناهية يثبت لنا أنه لا تفسير لهذه الحقيقة باستخدام كلمة المصادفة وإنما التفسير الوحيد لها هو ‘’المعجزة’’ .ونستطيع أن نتثبت من كونها معجزة بإجراء القياسات التي تؤدي إلى نتائج ثابتة دائما ولا تتغير حتى بنسبة 1 إلى 100 أو 2 إلى ،100 إضافة إلى أن هذه الموازين الدقيقة هي نفسها لم تتغير حتى قبل وجود الإنسان أو وجود الحياة ولم تعان أي تغيير أو تحول في قيمتها وهذا يقوي من سلامة مفهوم المعجزة في تكونها، وهذا يعني أن الكون كما أوضح العلماء السّابقون منشأ ومستند إلى موازين دقيقة للغاية ومخلوق بشكل منتظم ومتقن للغاية. والادّعاء بأنّ المصادفة هي التي أوجدت هذا النظام المتوازن والمتقن يعتبر منافيا لقواعد العقل والمنطق حتما. والحقيقة أنّ هذا النظام المتوازن والموزون والمتقن لابد له من خالق ذي قدرة لا متناهية، والله سبحانه وتعالى هو الخالق والفاطر والمصور لهذا الكون .

الانسجام المعجز بين الإلكترون والبروتون


الانسجام بين الشحنات الكهربائية

إنّ البروتون أكبر من الإلكترون من ناحية الكتلة والحجم، فالبروتون يملك كتلة أكبر بـ1836مرة من كتلة الإلكترون، و لو أجرينا مقارنة مادية بينهما فإن الأمر يصبح كالمقارنة بين الإنسان وحبة البندق، ويمكن القول أنه ليس هنالك أي تشابه بين الإلكترون والبروتون .
والغريب أن هذين الجسمين بالرّغم من عدم تشابههما إلاّ أنهما يملكان نفس الكمية من الشحنة الكهربائية ولكن إحدى الشحنتين موجية والأخريسالبة، وكذلك تتميز الشحنتان بأنهما متساويتان من ناحية الشّدة، ولهذا السّبب تكون الذرة متعادلة الشحنة، والغريب هنا أن المتوقع أن تكون الشحنتان غير متكافئتين و لا يوجد أي مؤثر يجعلهما متساويتين بل المتوقع أن يكون الإلكترون أضعف شحنة من البروتون لكونه أصغر منه كتلة، وربّ سائل يسأل: يا ترى ماذا كان سيحدث لو كان الإلكترون غير متكافئ كهربائيا مع البروتون ؟
الجواب المنطقي أن تصبح جميع الذرات في الكون موجية الشحنة نتيجة وجود البروتون الموجب الشحنة، وهذا يؤدي إلى أن تصبح جميع الذرات متنافرة مع بعضها. ولو كان هذا الأمر حاصلا ماذا يصبح شكل الكون ؟ ماذا كان سيحدث يا ترى لو تنافرت الذرات مع بعضها البعض ؟
يحدث ما هو غير عادي بل أدهى من ذلك، ولنبدأ من التغييرات التي ستحدث في أجسامنا، فأول تغيير يحصل لحظة تنافر الذّرات مع بعضها البعض هو تمزق أيدينا التي تمسك بهذا الكتاب تمزقا فجائيا إربا إربا، وليست الأيدي فقط بل الأذرع والجذع والسّيقان و الرأس والعيون والأسنان، وبإيجاز فإنّ الجسم سيتمزق إلى أجزاء وأشلاء في لحظة واحدة، وحتى الغرفة التي نجلس فيها بل العالم الذي نشاهده من النافذة، من جبال و بحار و كذلك الكواكب الموجودة في المجموعة الشمسية و جميع الأجرام السّماوية في الكون تتلاشى في لحظة واحدة، و لا يمكن بعدها أن يتكون أي جسم مادي يمكن رؤيته بالعين المجردة، ويصبح الكون في النهاية عبارة عن تجمّع من الذرات المتنافرة مع بعضها البعض مشكلة عشوائية أو فوضى في كافة أرجاء الكون.
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه: ما هي نسبة التغيير في شحنة الإلكترون والبروتون كي تحدث مثل هذه الفوضى الشاملة ؟ هل إنّ التّغير بنسبة 1إلى 100يكفي سببا لحدوث هذه الكارثة ؟ أم النسبة اللازمة هي 1إلى 1000؟ويقول البروفيسور جورج كرينشتاين في كتابه ‘’ الكون التكافلي ‘’ في هذا الصدد:
لو حدث تفاوت بين شحنتين كهربائيتين بنسبة جزء من 100بليون جزء لكان كافيا لتشتت واضمحلال الإنسان والحجر وسائر المواد الصغيرة. وهذا المقياس أكثر حساسيةّ بالنسبة إلى الأجسام الكبيرة كالأرض والشمس لأنها تحتاج إلى تغيير بنسبة 1إلى بليون بليون فقط كي تضمحل 23.

الانسجام العددي

إنّ الانسجام أو التوافق العددي بين الإلكترون والبروتون يمكن اعتباره أمرا مهما جدا في الكون. إنّ هذا التوافق العددي يؤدي إلى حدوث توازن بين قوة الجاذبية وبين القوة الكهرومغناطيسية. وقد حدث في الفترة ما قبل انتهاء الثانية الأولى من خلق الكون أن قامت البروتونات المضادة بإنهاء وجود نفس العدد من البروتونات وما تبقى من هذه البروتونات يمثّل عددها في الكون. وحدث الشيء نفسه للإلكترونات. فقد هجمت البوزوترونات أي الإلكترونات المضادة على نفس العدد من الإلكترونات فما تبقى من الأخيرة هو عددها الحالي في الكون. والفرق بين الإلكترونات والبروتونات في الكون صغير بنسبة محيرة فهي لا تتجاوز نسبة 1 مقسوم على 10 قوة 37 أي يمكن القول أنهما متساويان عدديا في الكون.
إن هذا التوافق العددي مهم جدا لإحداث التّوازن الكهربائي في أرجاء الكون لأن أية زيادة في عدد إلكترونات أو البروتونات تؤدي إلى حصول تنافر بين الجسيمات المتشابهة الشحنة وابتعادها عن بعضها. وهذا يؤدي إلى إعاقة اتحاد الجسيمات دون الذرة مع بعضها لتشكيل الذرة وبالتالي استحالة تكون الأجسام السماوية وبمعنى آخر استحالة تكون المجرات والنجوم والكواكب ومن ضمنها كوكبنا الذي نعيش عليه الأرض.


الاحتمال المحير للعقول


لو فكرنا في كل الثوابت الفيزيائية التي يحويها هذا الكون الشّاسع والذي يمنحنا الحيز المناسب للعيش فيه لبرز أمامنا التساؤل الآتي: ماهي احتمالات نشوء مثل هذا الكون بالمصادفة؟ هل هي مساوية لـ1في البليون أم لـ1في التريليون التريليون أو رقم أصغر من ذلك بكثير ؟
إنّ هذه الاحتمالات قد تم حسابها من قبل البروفيسور البريطاني روجر بنروز prof.Roger Penroseالأخصائي في الرّياضيات - والزميل الحميم للعالم ستيفن هو كينج - وأثبتت حسابات الاحتمالات التي من الممكن حدوثها من ضمن النتائج المتعددة والمحتملة لما يحصل بعد الانفجار العظيم .
والاحتمالات التي توصل إليها روجر نبروز مساوية لـ 1 مقسوم على 10 قوة 10 قوة 123 ! ومن الصّعب جدّا استيعاب هذا الرقم منطقيا، فالتّعبير الرياضي 10قوة 123 يعني العدد 1وأمامه مائة وثلاثة وعشرون صفرا، إنّ هذا الرقم أكبر من مجموع عدد الذّرات في الكو ن أي أكبر من 10 قوة 78 وبالطبع فإن هذا الرقم خيالي لأن الرّقم الذي توصل إليه روجر بنروز مساوي لـ1ومعه 10قوة 123صفرا. ويمكننا استيعاب مدى كبر هذا الرّقم من خلال أمثلة عديدة منها : أن 10قوة 3 يعني 1000 أمّا 10قوة 10قوة 3 فيعني 1و أمامه 1000صفر، والرقم الذي أمامه تسعة أصفار يساوي بليون ولو كان عدد الأصفار 12 فيساوي تريليون ولكن أمامنا رقم 1 وأمامه 10قوة123صفرا وهذا الرقم لا يوجد له تعريف رياضي ممكن .
وفي الرياضيات فإن أيّ احتمال أصغر من 1 مقسوم على 10 قوة 50 يمكن اعتباره صفرا، أمّا النتيجة السّابقة فهي احتمال أصغر من 1 مقسوم على10 قوة 50 بمقدار يساوي تريليون تريليون تريليون مرة. وبإيجاز فإن احتمال نشوء الكون مصادفة مستحيل قطعا، ويعلق البروفيسور بنروز على هذا الرقم الخيالي قائلا :
إن هذا الاحتمال أي  العدد واحد مقسوم على 10 قوة 10 قوة 123 يعكس لنا مدى وضوح وبيان الإرادة الإلهية في هذا الأمر، فالرقم الذي تم التوصل إليه مدهش ومحير، فالمرء لا يستطيع أن يكتب أو يتعامل رياضيا مع رقم بهذا الكبر لأنه عليه في هذه الحالة أن يضع 10 قوة 123صفرا أمام العدد 1 . ولو وضع صفر على جميع البروتونات والنيوترونات الموجودة في الكون لما تم الوصول إلى هذا العدد من الأصفار بل بقي وراءه كثيرا 24.
إن تحقق أكمل احتمال وأفضله من بين الاحتمالات الهائلة التي شرحناها بلسان علم الرياضيات لهو أفضل دليل وأقوى برهان على أن هذا الكون مخلوق. وبلا شك فإنّ الكون الذي نعيش فيه لم يأت نتيجة المصادفات العمياء أو سلوك الذرات غير العاقلة، فكل شيء في الكون حي أو غير حي ينطق بأنه مخلوق بقدرة الحي القيوم الذي لا شريك له .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Subscribe via email

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner